أردوغان والوضع العربي وأشياء أخرى
كثير هو الجدل الذي أثير حول جولة أردوغان الأخيرة، لا سيما زيارته للسودان، وقصة الجزيرة «سواكن»، فضلاً عن تونس وعدد من الدول الإفريقية، وقبلها الوجود العسكري التركي في قطر، وصولاً إلى عملية «غصن الزيتون» في الشمال السوري. وذهب البعض نحو الحديث عن سعي الرجل إلى استعادة الخلافة العثمانية.
كان لافتاً بالطبع أن حكاية الخلافة العثمانية التي كانت الحديث المفضّل لـ «إعلام الممانعة»، قد انتقلت مؤخرا إلى المعسكر المعاكس، ما يشير إلى سيولة الوضع السياسي في المنطقة، وما يشهده من تناقضات عميقة تجعل النظر إليه من زاوية واحدة عملاً بالغ السطحية، لأن من يلتقون هنا يقتتلون هناك، ومن يقتتلون هنا، يلتقون هناك.
لا أحد ينكر أن أردوغان كان ولا يزال مسكوناً بتاريخ الخلافة العثمانية، بخاصة الجزء الصاعد منها، والأزمة الأخيرة المتعلقة بالقائد فخر الدين باشا، وثورته جراء الإهانة التي طالت الأخير تعكس ذلك، لكنها ثورة كان دافعها إدراك دلالة الهجوم التي يدركها الجميع.
لكن القول إن أردوغان يريد استعادة الخلافة العثمانية هو ضرب من الأوهام بهدف التحريض، لأن زمن الإمبراطوريات الممتدة انتهى، ربما إلى غير رجعة، لكن البحث عن الأدوار والنفوذ شيء آخر تماماً، كان ولا يزال قائماً.
لا عمر البشير يقبل بأن يغدو والياً للخليفة على السودان، ولا غيره والمسألة هنا لا تعدو أن تكون مصالح متبادلة. وحتى القواعد العسكرية التي تنتشر في العالم أجمع (بعض الدول الصغيرة صارت تضع قواعد في بعض الدول كدلالة على الدور)، لا تعني السيطرة المباشرة.
لا بوتن يمكنه استعادة الاتحاد السوفييتي، عبر القواعد العسكرية التي ينشرها هنا وهناك، ولا أميركا ذاتها تفعل ذلك بهذه الروحية، رغم أنها الدولة الأكثر قوة في العالم، فضلاً عن فرنسا وبريطانيا، والآن الصين التي أخذت تنشر قواعد لها في كل مكان متاح، تحضيراً لزمنها القادم، وحيث تحلم بأن تكون الأقوى بعد عقد أو عقدين.
حين تدخل أردوغان في الشأن الفلسطيني تمت استعادة هذه القصة، بخاصة في ملف القدس، لكن أردوغان ما لبث أن أكد على الولاية الهاشمية (الأردنية) على المقدسات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا تأكيد آخر على عبثية هذا الطرح.
خلاصة القول هي أن الرجل يدافع عن نفسه وعن بلده ومصالحها، وقد استُهدف فعلاً من خلال الانقلاب بدعم قوى كثيرة، وهو يدرك أن سقوط حلفائه، سيجعل منه لقمة أسهل، خلافاً لتوسيع دائرة تحالفاته.
أما الوضع العربي، فهو يعاني التيه من الناحية العملية، في ظل تراجع الدور المصري (يحضر هنا نموذج عبد الناصر، رغم انتمائه لزمن آخر عملياً)، وإذا ما تماسك من جديد، فإن حضوره سيكون قوياً، وسيمثل المحور الأقوى بين المحاور الثلاثة في المنطقة ، وسيتمكن من تحجيم المشروع الصهيوني أيضاً (حتى لا نذهب أبعد بالحديث عن ضربه رغم إمكانية ذلك)، والذي يملك أحلاماً أوسع من تركيا وإيران. فكيف إذا تعاونت المحاور الثلاث على صيغة تعايش تصب في مصلحة جميع الشعوب، بعيداً عن الهيمنة الخارجية؟ إنه الحلم الذي ينتظره المخلصون.;
المصدر : العرب القطرية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن