إذا جاءكم من ترضون خلُقُه ودينه فزوجوه
"- فاظفر بذات الدين تربت يداك.
- إذا جاءكم مَن ترضَون دينه وخلقه فزوِّجوه."
يا للمأساة التي تحلّ حين تؤخذ تلك النصوص مبرّراً قوّياً لإقناع شاب بالارتباط بفتاة، والأمر الأشد انتشاراً هو العكس، إقناع الفتاة بالقبول بشاب. في مجتمع ما فهم من النصوص النبوية سوى الأحرف، ولم يتعدّى فهمه أسوار الكلمات، في مجتمع ما دخل شعاع نور الحبيب إلى خلايا مُخّه، ليجعلها تتفتّح وتشرق، في مجتمع أدى سوء فهمه إلى فشل أغلب العلاقات. ويتساءل مُراقبون، بهجوم على الفتاة، كيف ترفضينه! قال رسول الله "إذا جاءكم مَن..."، ماذا تودّين أكثر من ذلك! جيل آخر زمن.
ومَن قال لك وله ولهم، بأن الدين الذي قصده الحبيب، هو عبارة عن صلاة شكليّة، وتجنّب للكبائر فقط! من قال بأن الدين الذي قصده الحبيب، هو القدرة على تمييز الحلال عن الحرام فقط! لكنكم دفنتم أجمل الطموحات بفهم الدين بهذا الشكل المُميت المُمل. بينما أرى مقصده صلى الله عليه وسلم كما يلي:
إذا جاءكم مَن ترضَون خُلُقه ودينه؛ دينه الذي قلب روتين حياته الممل، إلى شُعلة طموحات تتقّد بين جوانبه. دينه الذي جعله يرفض أن تقتصر حياته على دوام، نوم، دوام، نوم... واليوم قرر إضافة امرأة إلى حياته لتزيّن هذا الروتين القاتل. دينه الذي جعله يفكّر بالزواج كخطوة مهمّة لتسير الحياة، لا ليقف عند مُتعة فحسب. بل لتكون هذه الفتاة سنداً يأخذ بيدها، وينيران معاً شُعلة في ظلام هذا العالم. دينه الذي جعله يرفض أن يكون متعلّماً فقط لما أُجبر عليه من قِبل المجتمع -الشهادة الجامعية- بل دينه الذي غرس فيه شغف المعرفة لكل ما هو جديد، بتوسيع مداركه قبل الزواج.
كما قيل الطيبون للطيبات، فالطموحون للطموحات، والمُشرقون بقلوبهم على هذا العالم للمشرقات، والواثقون بشغفهم وجمالهم وقدرتهم وإرادتهم للواثقات.
دينه الذي أبى عليه الانغلاق على نفسه، بل دعاه للاختلاط بشتى أصناف الناس، باعتقاداتهم، ولغاتهم، وأديانهم، والتقرّب إليهم، والتعلّم منهم. دينه الذي ما فرض عليه الإقامة في موطن وجود أهله، بل أوجده ليبحث في كل رقعة أرض عن الجمال، وترك بصمة نقاء هناك، برفقة زوجته. دينه الذي جعل من المرأة التي يبحث عنها مثالاً في الحياة، بل وأثراً لا يمكن التخلّي عنه، فلا أعتقد أن هناك ملتزم بالدين مازال يتردد في خروج امرأته ودخولها، وشغفها في الوصول لطموحها، ذاك سلام الله عليه وعلى روحه الميّتة.
دينه الذي خرَّج خديجة، وعائشة، وفاطمة الزهراء، رضوان الله عنهم، اللواتي لولاهنّ ما وصل إليه دينه. دينه الذي أبى عليه العبادة بلا علم، بلا شغف، بلا قراءة، بلا تفكّر، بلا تدبّر، بلا روحانية. دينه الذي أبى عليه أن يحب الله هكذا بالوراثة. دينه الذي أتاح له رؤية الجمال، والقدرة على تمثيله بالفنّ والرسم والموسيقا، دينه الذي لو تأمّل في زهرة حقّ التأمل، لأحب الله من فوح عبيرها. دينه دينه دينه... آه ما أجمل دينه! لو كان يعلم ما معنى دينه.
لذا تُفضل فتاة الافتراق عمّن قيل عنه يعرف دينه؛ لأنه والله لم يلامس حتى أرض طموحها، وتخيّلها عن الدين وعن حياة الحبيب الأعظم. لذا احرص أن تقرأ الأنوار المخفيّة، في أحاديث خير البريّة، قبل أن تأتي بها كأدلّة. كما قيل الطيبون للطيبات، فالراضون بحياة روتينية للراضيات، والطموحون للطموحات، والموتى على شكل أحياء للميّتات، والمُشرقون بقلوبهم على هذا العالم للمشرقات، والواثقون بشغفهم وجمالهم وقدرتهم وإرادتهم للواثقات، وقِس على ذلك..
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن