كاتب وصحافي من الأردن
حكم ذاتي لليهود في فلسطين
مؤكد أن كلاماً كهذا في عنوان هذه المقالة يبدو كأضغاث أحلام، فمن يصدّق أنه سيأتي وقت ليس بالبعيد، يفاوض فيه اليهود طرفاً ما للاعتراف بحكم ذاتي لهم في فلسطين؟
المجانين الحالمون بحدوث المعجزات وحدهم من يتخيلون هذا السيناريو "المجنح" الذي قد يثير السخرية لدى جل من يقرأ هذا الكلام، أو هكذا يبدو الأمر. ولكن مهلاً، لتتجاوز كل رؤى ونبوءات علماء ومجانين المستقبليات الذين يرسمون سيناريوهات تتنبأ بتداعي امبراطورية "إسرائيل" خلال عقد العشرينيات من القرن الحالي، ولنضرب صفحاً عن كل ما كتبته أقلام مستقرئي لعبة الأرقام، وحتى ما نشرته وتنشره أجهزة استطلاع ومعلومات رسمية وغير رسمية عن مستقبل الصراع "الوجودي" في بلادنا، ولنتوقف عند مستخلصات رجل علم، من أبناء جلدتهم، وهو يلقي بقنبلته في وجوههم قبل وجوهنا، متجاوزاً في ذلك كل ما "تنبأ" به من سبقه، علماً أن له "أسبقيات" في استبطان المستقبل، حيث توقع اندلاع ثورات الربيع العربي بدقة متناهية عام 1995.
(2)
وفق ما كتبه الأستاذ في الجامعة الإسلامية في غزة، الدكتور صالح النعامي، وما ترجمه عن الصحافة العبرية، فقد اكتسب البروفسور الإسرائيلي، تسفي سفر، أستاذ الدراسات الأفريقية في جامعة إنديانا بوليس والمحاضر في جامعات أميركية وإسرائيلية، احتراماً كبيراً وحاز على شهرة كبيرة، لأنه كان أول من تنبأ عام 1995 بانفجار ثورات الربيع العربي، وما تلاها من تفكك بعض نظم الحكم العربية في المنطقة.
لكن أخطر ما تنبأ به سفر عام 1995، وأعاد التشديد عليه في مقالين نشرهما عامي 2007
"إسرائيل عاجزة عن التأثير على التحولات المتلاحقة في العالمين العربي والإسلامي" و2011، تمثل في جزمه بأن التحولات التي ستنجم عن سقوط بعض الأنظمة العربية، وتفكك بعض الدول العربية، ستوفر ظروفاً مواتية لبزوغ شمس امبرطورية إسلامية ستسيطر على القارات التي تشكل العالم القديم (أوروبا، إفريقيا، آسيا، أستراليا). ورد هذا في مقابلةٍ أجراها معه أودي سيغل، مقدم البرامج الحوارية في قناة "12" الإسرائيلية، قبل أيام، حيث يعود سفر إلى رسم تطورات السيناريو "التشاؤمي"، الذي يقول إنه أطلع عليه رئيس الوزراء ووزير الحرب الأسبق، شمعون بيريس، بعيد اغتيال سلفه يتسحاق رابين في 1995.
وحسب سفر، فإن الموجات القادمة من التحولات في العالم العربي ستفضي إلى وقوع دول بأكملها تحت حكم الإسلاميين، بسبب فشل نظم الحكم في إدارة شؤون هذه الدول. وستلتحم هذه الدول بما أسماها "البقع غير السلطوية" التي يسيطر عليها الإسلاميون، مثل غزة وأفغانستان وغيرهما. ويتوقع أن يدفع نجاح هذا "التلاحم" في توفير نواة للامبراطورية الإسلامية، كما يسميها. ويتوقع سفر أن تتمكن قوى إسلامية أخرى من السيطرة على مناطق أخرى في العالم، يوجد فيها المسلمون بشكل لافت، مشدّداً على أن الواقع يدلل على أن القوى غير الإسلامية باتت غير ذات صلة بمستقبل المنطقة والعالم الإسلامي.
يحذر سفر إسرائيل والغرب من خطورة استخلاص عبر خاطئة من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لأن الموجة القادمة من التحولات ستتسم بتوجه القوى الإسلامية إلى الأخذ بالاعتبار الأخطاء التي وقعت فيها كل التنظيمات الإسلامية الأخرى، وتعمل على معالجتها والاستفادة منها والانطلاق للمرحلة المقبلة. ويقول إن أهم مصدر قوة وراء تحقق هذا السيناريو طابع التصميم القوي الذي يبديه الإسلاميون في تحقيق أهدافهم. ومما يزيد الأمور تعقيداً، في
"أقصى ما يمكن أن ترنو إليه إسرائيل هو أن تقبل الإمبرطورية الإسلامية ببقاء سلطة حكم ذاتي لليهود في المنطقة"
نظر سفر، حقيقة أن ما أسماه "العزم والتصميم" الذي يبديه الإسلاميون سيدفع الولايات المتحدة إلى التراجع والانسحاب من العالم، والانكفاء على ذاتها، متوقعاً أنه في غضون عقد ستتوقف الولايات المتحدة عن لعب أي دور خارجي، وذلك لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ما يفسح المجال أمام بروز الإمبرطورية الإسلامية، على حد وصفه.
وبناء عليه، ينصح سفر القيادة الإسرائيلية بالإسراع للتفاوض مع الإسلاميين، سيما حركة حماس، وحتى الحركات الأكثر تشدّداً منها وإسرائيل ما زالت قوية، وعدم الالتفات للقيادة الفلسطينية الحالية. ويقول إن أقصى ما يمكن أن ترنو إليه إسرائيل هو أن تقبل الإمبرطورية الإسلامية ببقاء سلطة حكم ذاتي لليهود في المنطقة، على حد وصفه. ويجزم بأن الإسلاميين هم من سيتولى حسم مصير العالم خلال عشرات السنين المقبلة، ويقررون ما يدور فيه. ونظراً لأن إسرائيل عاجزة عن التأثير على التحولات المتلاحقة في العالمين العربي والإسلامي، إلى جانب عدم قدرتها على التأثير على التوجهات الأميركية، سيما بشأن أنماط السياسة الخارجية لواشنطن، وتبنيها توجهات انعزالية، فإنه يتوجب عليها أن تحرص على تحقيق مصالحها بناء على الواقع المتبلور من خلال الإسراع بالتوصل إلى تسوياتٍ مع الإسلاميين تنقذها من الموت.
(3)
يبدو هذا كله كأضغاث أحلام، فحال التنظيمات الإسلامية كلها يدعو إلى البؤس، فهي بين مضطهد وملاحق ومعتقل، أو غارق في الشطط والأحلام المجنحة، أو يعاني من سذاجة وسطحية بائسة بالطرح، إضافة إلى أنها "تتمتع!" بعلاقة تنافر وصراع بيني، يجعل التقاءها على كلمة سواء ضرباً من المستحيل، فمن المقصود إذا بهؤلاء الذين سيقيمون الامبراطورية الإسلامية؟ حسب نظرية الاستبدال في الإسلام، الكامن في الآية الكريمة: (إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإن ما هو موجود، وما دام غير قادر على أن "ينفر" وفق نواميس الكون واشتراطاته، فهو في طريقه إلى الاستبدال، والإتيان بقوم "غيرهم" لا يكونوا أمثالهم، وحتى ذلك الحين، ربما لا يحصل المسلمون الحاليون على "حكم ذاتي" حقيقي في بلادهم، فما بالك بقدرتهم على "منح" اليهود مثل هذا الحكم؟
المصدر : العربي الجديد
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة