كيف تأكل المخدرات شبابنا؟
كتب بواسطة عماد أبو الفتوح
التاريخ:
فى : شباب بنات
1928 مشاهدة
في عام 2016، أصدر البرنامج العالمي لمكافحة المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة تقريرا يقول فيه إن هناك نحو 250 مليون شخص حول العالم تعاطوا مادة من المواد المخدرة بمختلف أنواعها وبشكل غير مشروع، ما يعني أن 5% من سكـان العالم -على الأقل- يتعاطون المخدرات ثُلثهم من النساء. وجاء مخدر "البانغـو" على رأس قائمة المواد المخدرة التي يتم تعاطيها عالميا. (1)
العالم العربي ليس بعيدا عن هذه الأرقام، بل يجسّد جوانب أكثر إظلاما لها، حيث بلغ عدد متعاطي المخدرات في بلد مثل مصـر نحو 10% من تعداد السكان، أي نحو 9 ملايين شخص ثُلثهم من الإناث، وهو ما يشكل ضعف المعدل العالمي. وفي الكويت وصلت نسبة متعاطي المخدرات إلى نحو 7% من تعداد السكان بحسب الأمم المتحدة. (2، 3)
ولأن إدمان المخدرات هو الظاهرة الاجتماعية الأكثر خطورة حول العالم، والمنبع الأساسي لانتشار الجريمة في معظم المجتمعات، سلّطت العديد من محاضرات "تيد" (Ted) المتخصصة الضوء على جوانب أخرى من هذه المشكلة، بعيدا عن التنظير المعتاد لها. المحاضرات هي إعادة نظـر بالكامل حول مشكلة الإدمان، وتقديم حلول نوعية لها.
كل ما تعتقد أنك تعرفه حول الإدمان.. خاطئ!
تسعة ملايين مشاهدة للمحاضرة التي ألقاها جوهان هاري الباحث المتخصص في الإدمان والذي قضى سنوات طويلة من عمره في الهبوط إلى قاع الحرب مع المخدرات، بدءا من التنقل في الحواري والأزقة الرطبة لأماكن بيع المخدرات في أميـركا، وليس انتهاء بجلسات طويلة مع أطباء ومتخصصين يهدف من خلالها إلى معرفة "أصل الحكاية"، وما الحقيقة وراء الإدمان فعلا، ولماذا يحدث كل ما يحدث. المحاضـرة تعتبر من أشهر المحاضرات في هذا القطاع على مسرح "تيد"، وحازت إعجابا كبيرا.
ما السبب الحقيقي وراء الإدمان ككـل، بدءا من إدمان الكوكايين وليس انتهاء بإدمان الهواتف الذكية؟ هل ثمة مشكلة في هذه المواد أصلا، أم أن المشكلة في أدمغتنا نحن؟ هل كل منا مهيأ لنوع من الإدمان أكثر من غيره؟ كيف يمكن تجـاوز هذه الأزمات وإعطاؤها نمطا عاما يفضي إلى أنماط أكثر فعالية للعلاج والشفاء لهذه المشكلة المدمرة لأصحابها.
أول قاعدة يؤسسها هاري في حديثه هو أن كل مانعرفه عن الإدمان خاطئ، وأن علينا العودة للبحث في الموضوع من جذوره مرة أخرى بأساليب مختلفة تماما عما كان سائدا. هذا ليس رأيا شخصيا بقدر ما هو بحث عميق جاد بعد جولة طويلة حول العالم أدت أيضا إلى اكتشافه لبعض الطرق التي يمكن وصفها بالمدهشة، قد تكون أملا جديدا لمعالجة مفهوم الإدمان من الجذور.
الماريجـوانا أنواع.. منها المفيد كذلك
على الرغم أن الماريجوانا تحديدا هي أشهـر أنواع المخدرات على الإطلاق، وعادة ما تكون المخدرات التي يتعاطاها الشباب والشابات من الطبقات الفقيرة والوسطى في كل المجتمعات، وهو الأمر الذي يجعلها من أكثر المخدرات التي تستهدفها حملات مكافحة المخدرات، فإنها أيضا تحمل جوانب مفيدة جعل أحد أنواعها يُطلق عليه "الماريجـوانا الطبيـة".
يسلّم الطبيب ديفيد كاساريت بأهمية مكافحة المخدرات بشكل كاسح لا يترك فرصة لتسرّب هذا الإدمان اللعين إلى أي أحد، ومع ذلك سئم أيضا من الضجيج وأنصاف الحقائق التي تُثار حول الماريجوانا الطبية في جملة حملات الهجوم على المخدرات. يرى كاساريت أن تحديد المخدرات التي يجب مكافحتها أمر محوري ولا يتم التعميم على كافة التجارب التي قد يكون بعضها في صالح المرضى إذا أُخِذَ برعاية طبيـة كاملة، يتحول الأمر كاملا إلى دواء وليس مخدرات.
في هذه المحاضرة التي لاقت إقبالا كبيرا بمشاهدات تزيد عن المليون وربع مشاهدة، يشرح ديفيد كاساريت الطبيب المتخصص تجربته المدهشة كطبيب وباحث ومتخصص مع الماريجوانا الطبية وآثارها وفوائدها على المرضى، بعد أن كان يجهل كل شيء عنها، وقرر أن يكتشف هذه الحقيقة بنفسه من جانب تخصصي أكاديمي بحت. انتهت به الرحلة أنه أدرك أن الطب السائد حاليا من الممكن أن يتعلم من "مستوصفات الماريجوانا الطبية الحديثة" التي تعتبر مراكز علاجية للكثير من الأمراض، متجاوزة مجرد كونها "مخدرا" لتغييب العقول.
لماذا نحتاج إلى إيقاف الحرب على المخدرات؟
محاضـرة يمكن وصفها بأنها تسير عكس التيار، ففي الوقت الذي تكثف فيه الحكومات حول العالم من مكافحة المخدرات باعتبارها الخطر الأكبر الذي ينهش في صحة الشباب وعقولهم وطاقاتهم، وبالتالي يؤثر تأثيرا هائلا على الاقتصاديات العالمية، يخرج إيثان نادلمـان في محاضرته التي أُلقيت على مسرح "تيد" في عام 2014 وحققت أكثر من مليون ونصف مشاهدة، يخـرج بطرح مختلف تماما يرتكـز على مبدأ: لماذا لا نعالج الموضوع بشكل أكثر هدوءا وأقل شراسة؟
يرى إيثان أن العنف في مواجهة الأشياء يؤدي إلى تفاقمها أكثر، خصوصا أن هذا العنف يصبح غير مبرر كذلك في بعض المناطق التي تتداخل فيها تجارة المخدرات مع عوامل أخرى تجعل الحكومات والشرطة والجيش تتعامل بعدوانية كبيرة تؤدي إلى المزيد من الانفجار. يقتـرح إيثان -بشكل علمي منهجي- أن يتم التركيز على "التنظيم الرشيد" لتوزيع المخدرات لأغراضها الطبية والنفسية والعلمية وحتى القابلة للاستخدام في المجتمعات بلا ضرر، بدلا من مواجهتها بالعنف وخلق بؤر دائمة من التوتر في المجتمعات.
يطرح الباحث نادلمان سببين يدعمان رأيه في التركيز على التنظيم الرشيد لمكافحة المخدرات، ومع ذلك يعلن أيضا عن قلقه وتوتره من القدرة على تنفيذه بالشكل الصحيح والذي قد يؤتي ثمـاره عمليا بشكل مختلف عن المتوقع.
الإدمان مرض.. ويجب أن نتعامل معه على هذا الأساس
يشيع بين الأغلبية أن الإدمان هو انعكاس لانفلات أخلاقي، وهذا غير صحيح في المُطلق. قد يكون الإدمان خطـوة من خطوات الاكتئاب أو المحاصرة النفسية أو المشاكل الاجتماعية أو الشخصية، أو لعدد كبير من الأسباب الأخرى. في كل الأحوال، الإدمـان بمعنـاه الواسع سواء للمخدرات أو غيـرها من الأمور الضارة هو في النهاية يقع تحت تصنيف "المرض" قبل أي شيء آخر، ويجب أن يتم التعامل معه باعتباره مرضا بخطوات علاجية ومنهجية محددة قبل أي شيء آخر.
في هذه المحاضرة، يشرح مايكل بوتيتشيلي، المدير السابق للسياسة الوطنية لمكافحة المخدرات، والذي كان هو نفسه مدمنا على المخدرات والكحوليات سابقا إلى أن تعافى، يشـرح أن الأمر أخطر وأكبر بكثير من مجرد حصره في منطلقات أخلاقية، وأن المدمن مريض بكل ما يحمله التوصيف لكلمة مرض. ويذكـر أيضا إحصائيات مخيفة توضح تدني الرعاية التي يتلقاها المدمنون، حيث يحصل واحد فقط من كل تسعة أشخاص في أميركا على الرعاية الكافية التي يتطلبها العلاج من الإدمان. وفي عام 2014، توفي 28 ألف شخص بسبب جرعات المخدرات الزائدة المصاحبة لوصفات الدواء الطبية والهيروين، وهو ما يشير إلى أن المؤسسات العلاجية لا تتعامل بشكل جيد مع الإدمان كمرض.
تعاملوا معه باعتباره مرضا نفسيا أكثر من كونه إشارة إلى انفلات أخلاقي أو شر كامن. هذا المعنى الذي أراد المحاضر إيصاله، وشجع فيه المشاهدين على إعادة تأهيل أنفسهم ومواجهـة وصمة العار المرتبطة بالمخدرات للخروج من هذا المرض والعودة إلى الحياة.
الذكـاء المميت لعصـابات المخدرات
خلال ست سنوات فقط، قُتل في المكسيك نحو 100 ألف شخص جراء عنف مرتبط بالمخدرات بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا الرقم لا يشمل المتعاطين بل يشمل جرائم ترويج المخدرات. هذا الرقم ضخم لدرجة أنه يعتبر أكبر بثمانية أضعاف من رقم الخسائر في حربي العراق وأفغانستان مجتمعتين، ويمكن مقارنته بأعداد ضحايا أخرى في الكثير من الحروب والمعارك الأهلية التي حدثت في العالم.
بروفيسور جامعة ييل رودريغو كاناليس له طرح مختلف تماما بخصوص العصابات الإجرامية التي تروّج للمخدرات يختلف عن السائد يطرحه على مسرح "تيد" في محاضرة حققت مشاهدات مليونية. كاناليس يؤمن بالأدلة التي تؤكد أن تجارة المخدرات لا يقوم بها مجموعة من المتعاطين أو الحمقى أو الرعاع الذي يسعون لبيع المخدرات وجني المال، وإنما يتم على مستوى شديد الاحترافية يصل إلى مستوى الأعمال الاستخباراتية عالية المستوى، ويتم إدارتها باعتبارها علامة تجارية كبيـرة بأدوات شديدة الجدية والذكاء.
خلال المحاضرة يستعرض المتحدث تاريخا سريعا لأبرز "حروب المخدرات" إن جاز التعبير، والكفاءة المدهشة لمهرّبي ومروّجي المخدرات في بعض مناطق العالم ترفع عنهم تماما ادعاء أنهم جهلة حمقى غير عاقلين يتسلّون بقتل بعضهم البعض، وينبّه أن هذا النوع من الجرائم يكون الأخطر لأنه الأكثر ذكاء وشراسة، مما يجعل من الضروري أن تتم مواجهتـه بأساليب وتكتيكـات أكثر ذكاء وحرفية من المستخدمة حاليا بواسطة الشرطة والجيش في معظم دول العالم.
أربعة دروس تعلمتها في مواجهـة المخدرات
محاضـرة أُلقيت على مسرح "تيد" عام 2014 بواسطة إيلونا زابو دي كارفاليو. الواقع أنها كانت آخر شخص يمكن أن يعتلي هذا المسرح لتتحدث عن الإدمان ومكافحة المخدرات والعنف في بلادها، باعتبار أنها عاشت حياتها المهنية بالكامل تقريبا في أحد البنوك الفخمة في البرازيل، وكانت تمارس عملها في البيئات الراقية المكيفة بعيدا عن الأعمال الميدانية. هي نفسها لم تكن تتصوّر أن يأتي اليوم الذي تتخلى فيه عن وظيفتها المريحة لتبدأ حركة اجتمـاعية ضد العنف والمخدرات، وتحولها إلى ناشطة اجتماعية دولية في هذا المجال.
المخدرات والعنف يدمران البلاد. لم يكن في إمكانها الوقوف مكتوفة الأيدي وهي ترى أن وطنها يضيع، وانتشار الأسلحة والمخدرات في بلادها مرعب. ومع بدء نشاطها في التصدي لهذه الظاهرة، اكتشفت أربعة دروس قاسية تعلمتها عندما انتقلت من وظيفتها السهلة المربحة الهادئة إلى دورها الصعب الجريء ضد الوضع الراهن. هذه الدروس الأربع تصلح للاستخدام في مواجهـة أي حركة إجرامية منظمة تستهدف نشر العنف أو المخدرات، وليس في البرازيل فقط.
في النهاية، يبدو أن كل المحاضرات التي ألقاها المتخصصـون والأكاديميون على مسرح "تيد" بخصوص هذا الموضوع تتشارك الرأي أن المعركة ضد المخدرات تخرج منها الأخيرة منتصـرة في كل عام بكسب المزيد من المساحات في عقول الشباب حول العالم، ما يعني أن هناك حتما أمرا خطأ في طرق التصدي لهذا الوباء الذي يتفاقم ليصبح العمود الفقــري للجريمة والتراجع الاقتصادي والأخلاقي في العالم. يبقى الأمل قائما على إنتاج آليـات جديدة للتصدي لآفة المخدرات إما بطرق العلاج وإما بطرق المكافحة خلال السنوات المقبلة.
المصدر : الجزيرة - ميدان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة