الـثــورات إذ تـســــتـفِــزّ اللـيـبـرالـيّـيـن...
بقي التغيير للواقع المتخلِّف في بلاد المسلمين حُلُماً يراود جميع الناس فيها على اختلاف طبقاتهم وتلوّناتهم السياسية ومشاربهم الفكرية عقوداً طويلة... إلا أنه لا بد من تسجيل أن أصدقَهم في الحرص على تحقيق هذا الحُلُم كان (الإسلاميّون) بدليل رِيادتهم في الصراع المرير مع الطغاة ونظراً لأنهم يملكون رؤية واعية ومستمَدّة من هُوّيتهم الثقافية ومستندة إلى كتاب الله الخالد الذي يرسُمُ للمؤمنين منهج حياتهم، ويُوجب عليهم مقاومة الظلم والتخلّف والطغيان، ويُرَشِّدهم ليكونوا (قادة الحضارة) لهداية البشرية إلى الله والتفيّؤ في ظلال شريعته العظيمة...
وكانت المشكلة المستعصية طيلة تلك العقود التي دارتْ حولها الأحاديث والندوات والمؤتمرات تكمُنُ في تحديد مدخل التغيير، وآلياته، وميقاتِهِ... وهي مشكلة كانت تُربك الجميع وتَدَعُهم حَيَارى لا يَلْوُون على شيء نظراً لتعقّد الواقع وتغوُّل أنظمة الطغاة وتأثُّر جماهير واسعة من الأمة بسياقات النموذج الغربي الثقافية والاجتماعية والسياسية... واستجدّتْ في العقدين الأخيرَيْن عدة معطيات خطيرة غاية الخطورة في حياة الأمة تركتْ بصماتها على كل مرافقها، على رأسها:
· الآثار المدمّرة للأمّة التي نجمَتْ عن مغامرة النظام العراقي السابق في الكويت!
· هيمنة (العولمة) على العالم برُمَّته في وقتٍ كانت تعاني الأمة من فقدان توازنها الثقافي والحضاري، ومن انحطاط اجتماعي وأخلاقي وإعلامي، ومن فساد بَشِع سياسي ومالي وإداري..
· إمساك أنظمة الطغيان بكل مفاصل ومقدَرات الدولة وأنظمة التعليم والتربية والإعلام مصحوباً مع إشاعة جوّ الإرهاب الأمني والظلم السياسي.
ثم فجأةً حصل مع افتتاح العقد الثاني من هذا القرن نمطٌ من التغيير الثوري في عدد من بلاد المسلمين وقد حصل بقَدَر من الله المدبِّر الحكيم! وكان من ثمراته صعود الإسلاميين على المسرح السياسي والثقافي، وكان مُدَوِّياً بكل المقاييس على المستوى العالمي فضلاً عن المحلّي حيث كانت كل رِهانات القُوى الدَّوْلية أنّ الإسلام قُضي عليه بالضربة القاضية قبل قرن، وليس المقصود هنا إسلام التديُّن الفردي ولا الشعائر فحسب وإنما الإسلام الشامل الحاكم منهج الله رب العالمين للحياة... هذا الإسلام الذي وضّحه أدقَّ وأبلغ وأعمق توضيح المفكر العملاق شهيد الصحوة الإسلامية في القرن العشرين (سيد قطب) رحمه الله في كتابه الرائع ((هذا الدين))... الإسلام الذي بلغ من حقد الأعداء عليه ما كشفه الشاب الذكيّ، الداعية الألمعيّ - عبد الودود يوسف رحمه الله - في كُتَيّبه الموثَّق الخطير: ((قادة الغرب يقولون: دمِّروا الإسلام وأبيدوا أهله))!
وإذ تتّجه الثورات نحو (انبعاث دور الإسلام من جديد) فإذا بالليبراليّين - بمخلتف اتجاهاتهم القومية والعلمانية واللادينية - ترتفع عقيرتُهم ويدأبون في بثّ أحقادهم وسمومهم ويخوضون معركة لا هوادة فيها في مصر وتونس والأردنّ ولبنان وغيرها من البلدان في منازلة الإسلام - زَعَموا - وتشويه سُمعة الإسلاميين! وهذا التحدِّي يستوجب من قادة العمل الإسلامي:
· اليقظة التامّة والوعي العميق واستنفار كامل القوة بكل أنواعها فإنها ساعة النزال!
· الأداء السياسي النزيه مع العدل والموضوعية والخُلُق المتميّز.
· المفاصلة الفكرية والإيمانية والسياسية الكاملة بين الحق والباطل...
· التُّؤَدَة في التخطيط، والاختصاص في التحليل، والشجاعة في التنفيذ...
· وقبل ذلك ومعه: عظيم التوكّل على الله، وكامل الثقة بدين الله، ورجاء فَضْله ونَصْره، مع الحرص على تجميع الصفوف وتوحيد الكلمة والالتزام بتقوى الله والارتقاء بتحقيق النُّبْل في الأخلاق:
فلا بُدّ من رَأْبِ كل الصُّدُوعِ * * * وجَمْع الصفوفِ ودَرْإِ العِلّـلْ
ولا بدّ من قَصْـد ذاتِ الإلــهِ * * * وحَشْد القُوى ليصـحَّ العَمَــلْ
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة