فتية الكهف.. كيف تتلاعب التغطية الإعلامية بتعاطفنا تجاه الغرباء؟
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1219 مشاهدة
غمرت صور الفتية المحاصرين في كهف مغمور بالمياه في تايلاند شاشاتنا في الأيام الأخيرة، واجتمعت فِرَق الإنقاذ الدولية للمساعدة في الخروج الآمن لفريق كرة القدم الشاب، حتى إن أشهر المخترعين في عصرنا الحالي إيلون ماسك قدم اقتراحا للمساعدة في إخراجهم، وما زاد خطورة الموقف في أنظار الجميع وفاة الغواص السابق في سلاح البحرية التايلاندي بعد نفاد الأكسجين خلال محاولات الإنقاذ.
كان الوضع بلا شك مخيفا للغاية للأولاد وأسرهم المترقبين خروجهم والقلقين من صعوبة المهمة، وليس من المستغرب أن ينال الموقف اهتماما عالميا من وسائل الإعلام. إلا أنه يُثير بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام بشأن كيفية توسيع نطاق التعاطف والاهتمام بأشخاص في دولة أخرى لا نعرفهم، ولماذا استقطبت هذه المأساة انتباه العالم، بينما هدأت -بل واختفت تقريبا- قضايا ذات خطورة أشد مثل أطفال سوريا واللاجئين الغرقى في الشواطئ الأوروبية، والمحتجزين في أميركا، والجوعى في أفريقيا، وقتلى فلسطين، وغيرها من القضايا التي تستمر خطورتها منذ أمد طويل؟
صورة بألف كلمة
يكمن السبب الرئيسي ببساطة في التغطية الإعلامية والصور، حيث كنا نرى صور فريق كرة القدم التايلاندي والأهالي المنتظرين والفِرَق والغواصين المنشغلين بمحاولات الإنقاذ كل يوم، وراقبنا الجهود منذ يوم عثورهم على الأولاد للمرة الأولى بشكل حي ومباشر، وشاهدنا بوضوح انفعالات ومشاعر الأولاد وذويهم.
ورأينا هذا النوع من التغطية الشاملة وواسعة الانتشار للحوادث المأساوية في الآونة الأخيرة، مثل المشاهد المروعة للأطفال الذين يصارعون الموت بعد هجمات الأسلحة الكيميائية عام 2017 في سوريا، أو الصورة الصادمة التي ظهرت في شهر يونيو/حزيران لفتاة هندوراسية صغيرة تبكي بينما كانت القوات تحتجز والدتها على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
إلا أنه بعد فترة هدأت الأصوات لاختفاء الصور المنشورة والانشغال بصور أخرى، فلا نحصل إلا على قدر ضئيل من الصور للأطفال المحجوزين في السجون الأميركية، ولا نحن نرى معاناة الأطفال اللاجئين العابرين مع ذويهم البحار والمحيطات في ظروف قاسية وخطرة للغاية، ما يعني أنه من غير المحتمل أن نشهد ردود فعل عالمية متعاطفة معهم بعد الآن، حيث تجبرنا اللقطات المفزعة على مواجهة الحقائق، فنخلق زخما كافيا لمناقشة التغيير.
الوقت والمنظور
إن الطريقة التي تنظر بها إلى الحدث وتربطه بنفسك تُحْدِث فرقا كبيرا، فإذا كان سهلا عليك أن تجري مقارنات بين طفل في صورة يرقد غارقا على الشاطئ وطفلك النائم بسلام في غرفته، فمن المرجح جدا أن تتعاطف معه. ولكثير من دول العالم لا يصعب على الناس تخيل أطفالهم محجوزين في مكان ضيق بعيد لا يسمعهم أحد ولا يصل إليهم طعام أو ماء، ولكن يصعب تخيل فرار أطفالك من وطنهم طالبين اللجوء في بلد أجنبي، أي إنه من الأسهل بكثير أن تُعبّر عن تعاطفك مع موقف قد يحدث لك يوما ما، وكذلك قد يصل -بطريقة أو بأخرى- إلى نهاية! فرغم قسوة ذلك فإن الواقع يقول إن فتية الكهف لم يكن أمامهم سوى أن يتم إنقاذهم وتنتهي الحكاية، أو أن يموتوا ويتأثر العالم لبعض الوقت وتنتهي الحكاية كذلك. ليس الأمر مرهقا مثل القضايا الإنسانية المستمرة مثل طالبي اللجوء أو نقص الغذاء في القارة الأفريقية، فهي تحديات هائلة غالبا ما يُفضِّل الناس أن يغمضوا أعينهم عنها. ولذلك، فإن مثل هذه القضايا تتلاشى في مواجهة ما نعتبره مسائل أكثر إلحاحا ذات قرارات أكثر مباشرة.
أهمية اللغة وسهولة التعاطف
بالإضافة إلى الصورة والمنظور تُحْدِث التسميات فارقا مهما في تحديد استجابتنا العاطفية تجاه الأحداث، فمثلا في عام 2016 وصف رئيس الوزراء الأسترالي طالبي اللجوء بأنهم "قوة غازية"، ومثل هذه التسميات مدمرة بشكل لا يصدق لأننا نكون حينها نحاول أن نبرر الظلم الأخلاقي، ونقسم الناس فورا إلى أشرار وضحايا، فالمعاناة دون شرير لا تلفت الأنظار ولا تُحْدِث انتشارا للأسف الشديد.
هناك بعض الأبحاث اللافتة التي تدل على ذلك، فعلى سبيل المثال، في جميع أنحاء الولايات المتحدة، نجد أن نسبة الإيمان بالله ترتفع كثيرا في الولايات التي يُعاني الناس فيها من أكبر قدر من المعاناة -مثل وفيات الرضع والسرطان والكوارث الطبيعية- حيث ينظر الناس هناك إلى الله بوصفه المسؤول عن كل هذه الابتلاءات، ولذا يتجنّبون غضبه بطاعته.
من المستحيل وصف أولئك الذين يعانون من هجوم كيميائي بأنهم شيء آخر غير كونهم ضحايا مثلا، فيكون قرارك بالتعاطف واضحا وسهلا. ولكن إذا نظرت إلى اللاجئين أو ملتمسي اللجوء باعتبارهم يحاولون سرقة نوع ما من الامتياز الذي لا يستحقونه، ولا نفكر بهم باعتبارهم ضحايا يحتاجون إلى تعاطفنا، ما يعني أنه من الأسهل بكثير إخراجهم من دائرة أخلاقياتنا.
تعاطفنا كثيرا مع فريق كرة القدم المحاصر في الكهف، والآن وقد تم إنقاذهم وعادوا بأمان لأهلهم، ستختفي القصة من شاشاتنا مع ظهور الأزمة الملحة القادمة. يجب علينا أن ندرك حقيقة تأثير الصورة والإعلام على تعاطفنا ومشاعرنا لنضمن عدم اختفاء المشكلات الطويلة الأمد والتي ما زال المئات يعانون منها يوميا، بعد أن سقطنا ضحية إخفاقات إدراكنا الأخلاقي وخدعة الضمير الإنساني.
المصدر : الجزيرة - ميدان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة