حوار مع الدكتور محمد أديب الصالح -رحمه الله- |
قام الأستاذ الشيخ مجد مكي بزيارة لمدينة الرياض في 15/صفر الخير/1428، بصحبة الأخ الكريم الشيخ عبد الرحمن حجار، وزار المعرض الدولي للكتاب،وحلَّ ضيفاً في بيت الأستاذ المفضال البحَّاثة المؤرخ الشيخ محمد بن عبد الله الرشيد، والتقى بثلة من أهل العلم والفضل، منهم: العلامة الأديب المؤرخ السيد جعفر السقاف، والمحقق الفاضل، الشيخ: محمد بن ناصر العجمي، والأستاذ: سلمان أبو غدة، ومحمد أبو بكر باذيب، وغيرهم، وقد قام بعدة زيارات لأهل العلم والفضل في مقدمتهم فضيلة الشيخ الدكتور محمد أديب الصالح، وأجرى معه الحوار التالي في جلستين متفرقتين في بيته العامر بالرياض.
س1 ـ نرجو التكرم بتقديم لمحات موجزة عن مولدكم ونشأتكم الأولى؟:
ولدتُ في مدينة قطنا ـ جنوب غرب دمشق ـ في عام 1926م، وقد شاء الله أن أتذوق مرارة اليتم بوفاة والدي رحمه الله تعالى، وأنا في الشهر السادس من عمري، ولكن والدتي الصالحة التي كانت تبلغ عشرين عاماً عند وفاته، قد عوضتني عن عناية الوالد بانقطاعها لرعايتي والاهتمام بشأني، وقد توفاها الله في الرياض أول يوم من عيد الأضحى المبارك من عام 1403ـ1983م. وقد نفذت وصيتها بدفنها في بقيع المدينة المنورة بجوار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمها الله رحمة واسعة، وأجزل مثوبتها في الآخرين.
س 2ـ نرجو أن تُحدِّثونا عن نشأتكم العلمية ومراحل دراستكم؟
بدأت تعليمي في إحدى مدارس قطنا، وأخذت الشهادة الابتدائية، ثم انتقلت إلى دمشق وانتسبت إلى مدرسة التجهيز الأولى بكرسي مجاني بمسابقة، وكنا الدفعة الأولى فيها، بعد مكتب عنبر الذي درس فيه شيوخنا، وكانت مدرسة التجهيز مدرسةً نأكل ونشرب وننام فيها، وكان فيها مسجد يصلي فيه الشيخ أحمد الدقر إماماً للطلبة.
تركت مدرسة التجهيز الأولى لعارض صحي، ومن فضل الله عليَّ أن الوالدة ـ السيدة نظمية أحمد الطحان ـ ورجلاً صالحاً واعياً من أبناء عمي ( أمين حسن الشيخ)رحمه الله تعالى، من ذرية الشيخ حسن الراعي التي تنتمي إليها في قطنا ( ووالدتي ربيبته فهو من محارمها)، أحبا أن أدرس عند الشيخ إبراهيم الغلاييني رحمه الله، الذي كان إمام مسجد قطنا وشيخ البلد ومفتيها.
قرأت على الشيخ إبراهيم في سنة 1938على الطريقة القديمة،في الحضر والسفر، فحفظت المتون، ودرست قدراً وافراً من العلوم الشرعية والعربية وفي مقدمتها الفقه والتجويد والسلوك. وشيخنا إبراهيم الغلاييني كان شيخ العلم والتربية لي، لازمته حوالي خمس سنوات. كنت منقطعاً فيها لتلقي العلم على يديه، وقد عنى بي ـ شكر الله له ـ علماً وسلوكاً وأخلاقاً. وكنت الطالب الوحيد عنده ، وقد توثقت الصلة بيننا بعد ذلك عن طريق المصاهرة، إذ تزوجت إحدى بناته، التي أنجبت لي أربعاً من البنات، وثلاثة من البنين.
وصرت أخطب وأدرِّس على صغر سنِّي في قطنا،وفي سنة 1944أذن لي الشيخ إبراهيم أن أنزل إلى الشام، وانتسبت إلى الكلية الشرعية التي أسسها الشيخ كامل القصاب، وباعتبار أن دراستي السابقة في العلوم الشرعية واللغوية عند الشيخ إبراهيم، ومواظبتي على حلقته العلمية الخاصة، قد زودتني ـ والحمد لله ـ بالكثير من روافد الثقافة الشرعية والعربية، فقد وافقوا على أن أتقدَّم لامتحان مواد السنة الثالثة عندهم، فقدمت امتحانا، ونجحت فيه، وقبلت في السنة الرابعة في الكلية الشرعية، وكنتُ متفوقاً في الدراسة، وخرجت الأول على دفعتي في جميع السنوات.
وقد درست السنة الرابعة والخامسة في الكلية، ثم تعرَّفت على الإخوة: عمر عودة الخطيب، وسعيد عبار، وأحمد الخالد،من طلبة المعهد الشرعي للجمعية الغراء. واستأذنت للتسجيل في ذلك المعهد، بعد السنتين اللتين أمضيتهما في الكلية الشرعية، إذ أقنعني إخواني محبة منهم بالانتقال إلى المعهد الشرعي،وأن الشيخ أحمد الدقر قد سمع عني، وأني من خواص تلاميذ الشيخ إبراهيم الغلاييني، فانشرح صدري، وانتقلت إلى المعهد الشرعي طالباً في السنة السادسة.
س 3ـ قبل الحديث عن المعهد الشرعي الذي انتقلت إليه في السنة السادسة، نرجو أن تذكر لنا أبرز شيوخك الذين درست عليهم في الكلية الشرعية؟
من أبرز شيوخي في الكلية الشرعية: هاشم الخطيب، وياسين قطب، وقد درَّسانا الفقه، وحسن حبنكة، وقد درَّسنا التفسير، وعز الدين التنوخي درسنا العروض، وأنور العطار درسنا البلاغة، والشيخ علي الطنطاوي: ولكنه لم يمكث طويلاً، وقد درسنا مادة الثقافة الإسلامية. ومن المواقف التي لا أنساها أنه أعطانا موضوعاً في علوم القرآن، فكتبت له الموضوع كاملاً، وأما أخي الشيخ محمد القاسمي فقد كتب نصف الموضوع، فلما عوتب أستاذنا الطنطاوي رحمه الله على تركه الكلية قال: هم خمسة عشر طالباً، ووجوههم لا تضحك للرغيف الساخن، وقد أعطيتهم موضوعاً فكتبوا لي موضوعاً ونصف موضوع..، وطلب مني الأستاذ الطنطاوي أن أقرأ، فقرأت بعبارة فصيحة وأداء جيد، وناقشته بأدب، فقال لي: أنت أديب، فقال جميع من في الصف: نعم هو أديب واسمه أديب، ثم لما رأى من حيائي وسمتي، قال لي: وأنت صالح، فقال الطلبة: نعم: وكنيته صالح، فهو أديب صالح، والأستاذ الطنطاوي من خيرة من درَّسنا، ومن ذلك الوقت توثقت الصلة بينني وبينه.
وممن درَّسنا في الكلية الشرعيَّة: الشيخ محمود ياسين، والشيخ حسن الشطي، والأستاذ سليم الجندي، والشيخ أبو بكر القواس، والشيخ عبد الحميد قنواتي، والشيخ بهجت البيطار، وكانت الكلية الشرعية بمثابة جامعة رفيعة المستوى.
س4 ـ هل تذكرون بعض المواقف والذكريات مع هؤلاء الشيوخ الذين درست عليهم في الكلية الشرعية؟
الشيخ محمود ياسين رحمه الله تعالى: مؤسس جمعية الهداية الإسلامية بدمشق، وأعتبره من الطلائع المباركة في دمشق بالنسبة للعناية بضوابط الكتاب والسنة، وتأصيل علوم الحديث الشريف، والجرح والتعديل، وقد سبق من اشتهروا بذلك بعده.
عندما قررت الكلية قبولي في السنة الرابعة عندهم ـ كما ذكرت لك ـ لم يكن يوم ذك متوسط ولا ثانوي، ولكن يتخرَّج الطالب من الابتدائي، ويدرس بعدها ست سنوات، يأخذ الثانوية. وقبل سنة 1946، كانت في دمشق ثانويتان على النظام الفرنسي، وحَّدهما ميشيل عفلق، وسماهما الثانوية الموحَّدة.
وأذكر عندما تقدمت لاختبار مقررات السنة الثالثة: كان من جملة الاختبارات: الحديث،واللغة العربية، وكنت قد قطعت شوطاً في حفظ الألفية عند شيخنا إبراهيم الغلاييني رحمه الله تعالى. وجاء السؤال في موضوعات الاختبار عن المبتدأ والخبر، فكتبت أبيات الألفية، وشرحتها، وبعد انتهائي من الاختبارات بدأت أتساءل عن النتيجة، وقابلت الشيخ (صالح فرفور)، وكانت له صلة علمية بشيخنا، فسألته عن نتيجة الاختبار فقال: نتيجتك جيدة جداً، ولكن الشيخ محمود ياسين متأثر منك، وتوقفت نتيجتك على موافقته، فاذهب إليه، فذهبت وسلمت عليه، فاستقبلني ، وقال : إنه عاتب عليَّ في طريقتي في المناقشة ومراجعتي له في قضية علمية أثناء الاختبار الشفهي في مادة الحديث، فأجبته بصدق:أنني لم أقصد المماراة ولا الجدال، ونحن قد تربينا على حب مشايخنا واحترامهم فقال: اذهب فأنت ناجح إن شاء الله.
وبعد هذه البداية التي كان فيها شبه جفوة مع الشيخ محمود، كانت العلاقة بيني وبينه علاقة صداقة ومحبة، فكان يملي عليَّ مقالاته. والكثير من المقالات التي نشرها في مجلة “الهداية الإسلامية” أملاها عليَّ.
ومن الطرائف أنه حفَّظنا حديث:” اللهم رب هذه الدعوة التامة….”،وأنا أحفظه منذ صغري بزيادة :” والدرجة الرفيعة” فقال: قم فاقرأ الحديث، وكان قد كتبه لنا في المقرر، فقرأته من ذاكرتي، وذكرت: اللهمَّ رب هذه الدعوة التامة.. آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة” قال يا بني: أنا اخترت هذا الحديث، وكتبته لكم لكي لا تقولوا:” والدرجة الرفيعة” فهذه الزيادة لم تصح بهذا اللفظ، فعملت هذه الكلمة عملها في نفسي بالنسبة لقضية التوثيق، ومعرفة الحديث الصحيح من الضعيف.
وكان الشيخ محمود رحمه الله تعالى رجلاً مربياً، واستدامت الصلة بيننا، وكان دائم الانهماك في العلم والكتابة، وكان متأثراً بمدرسة محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، ومحمد الخضر حسين، وله اتجاهٌ إصلاحيٌّ دعويٌّ مبكر، رحمه الله وغفر له.
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة