لا أستطيع مسامحة من آذاني
كتب بواسطة أحمد سالم
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
15056 مشاهدة
هل يجب أن أسامح قبل يوم عرفة ؟ وهل إذا كنت غير قادرة على مسامحة من ظلمني واغتابني أكن آثمة؟
ج/ مسألة الشحناء والخصومة الناس للأسف مش فاهماها خالص، هحاول أوضحها مرة واحدة حتى أحيل عليها:
الشحناء أن تشحن قلبك غضبًا، وهذا إنما يُستعمل فيمن يغضب فوق القدر الشرعي الذي يباح له، أو يقوده الغضب والبغض إلى تعدي حدود الله.
فإن الغضب وترك العفو والهجر والبغض أربعة أنواع تستعمل وتكون حقًا أحيانًا وتستعمل وتكون باطلًا أحيانًا أخرى، فالباطل منها هو ما يحرمه الشرع وهو المقصود بمنع رفع الحسنات.
أما الحق فلا يحرمه الشرع ولا يمنع رفع الحسنات.
وبيان ذلك فيما يلي:
غضبك على مسلم وعدم صفاء صدرك له وعدم قدرتك على مسامحته، الأصل فيه أنه حرام؛ فإن سلامة الصدر للمسلمين واجبة، وإذا حصل هذا منك فإن كان حصل لحظوظ الدنيا التي لا يجب لك فيها حق شرعي، وليس لمعنى شرعي يتعلق بالنفع الذي يحبه الله في الآخرة= كان هذا محرمًا فإن التباغض على لعاعة الدنيا وفي غير مقاطع الحقوق وفي غير محارم الله ممنوع وهو إثم، ولا يعفى إلا عن الكره العارض الذي يقع في النفس لشخص بلا سبب فهذا يعفى عنه طالما لم يؤد إلى أن تمنعه حقوقه.
بالتالي ما كان في صدرك على مسلم بسبب ظلم وقع عليك وحق ضيعه منك أو بسبب معصية يركبها= فلا حرج عليك في هذا الغضب والبغض ما دام على قدر الخطأ لا يتعدى، وما دام لا يقترن بزوال محبتك له بقدر حسناته وطاعته ولم يقترن بأن صرت لا تحب له ما تحب لنفسك.
فإذا غضبت وخاصمت من رفض إقراضك فهذه خصومة محرمة فليس إقراضه لك واجبًا، وإذا خاصمت من ظننت أنه أخطأ في حقك ولم تكن معك بينة فهذه خصومة محرمة، وشرط الإثم أن يمر ثلاث ليال، فإن الله يعفو عن هذه الثلاث الأولى؛ لعلمه سبحانه بضعف نفوسنا، لكن ما بعدها إثم.
قال ابن رسلان: ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمُصالح.
وإذا خاصمت من سبك وشتمك وأهانك فهذا حقك لا شيء عليك وليس يجب عليك أن تسامحه وإن كان العفو في غالب الأحوال أفضل، ومع عدم عفوك يشترط أن تبقى تحب الخير له.
وشرط غضب القلب وسواغ عدم المسامحة ألا يقترن ذلك بأن تتعدى عليه وتسبه بما ليس فيه أو تتمنى له مكروهًا يزيد عن درجة خطئه في حقك، ولا يحرم في المسرفين الذين يتعدى ضررهم أن تتمنى أن يزول الضرر ولو بهلكتهم وموتهم.
يبقى النظر فيما إذا كنت مقاطعًا له، فتكون جمعت بين غضب القلب وقطيعة الجوارح:
القطيعة نوعان:
النوع الأول: بمعنى أنك تخفف علاقتك به لكنك إذا رأيته ألقيت السلام، وإذا سلم رددت عليه، وإذا مرضت لم تمتنع من زيارته، وإذا عطس دعوت له، وإذا مات شهدت جنازته= فهذه ليست قطيعة ولا خصام ولا تحرم، بل لابد للناس من هذا، فليس الناس كلهم يطيقون صحبة بعضهم، لكن إن لم يكن يؤذيك فلا بد أن يزيد الكلام معه قليلًا عن هذا.
لذلك قال مالك لما سئل عن رد السلام هل يخرج من الهجر والقطيعة فقال: حري إن كان يؤذيه برئ من الشحناء.
وأما القطيعة بمعنى أن تمنعه ما سبق فهي الهجر، فإن كان يؤذيك الوصل ويضرك نتيجة لسوء خلقه أو تكرر ظلمه أو تاكدك من أنه يظن بهذا ذلتك فيزيد في عدوانه ونحوه= فلا حرج عليك في هجره وقطيعته.
وإن كان الوصل لا يؤذيك لكنك تظن أو أفتاك من تثق به أن تلك القطيعة تفيد في عودة حقك أو على الأقل في تحذير الناس من ظلمه= فلا حرج في هجره وقطيعته، لكن هذه الصورة الأخيرة يحتاج تقديرها إلى نزاهة وتجرد، وأحسنها ما كان لحق الله لا لحق نفسك.
قال أبو داود: إذا كان الهجر لله فليس من هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوما، وابن عمر هجر ابنا له حتى مات.
الشيخ أحمد سالم
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة