أين الكلمة الطيبة في عصر السرعة؟
نحن نعيش في عصر كثرت فيه وسائل الراحة، وأساليب الرفاهية للإنسان، لكن وكما يقول المتخصصون، أيضًا كثرت فيه نسبة الضغوط النفسية والتوتر والقلق، والتي أحد أسبابها المهمة؛ المطالب المتزايدة من كل فرد منا، والمعايير العالية، والسرعة التي نعيش بها.
في عصر السرعة والضغوط والتوتر أصبحنا بحاجة أكثر للكلمة الطيبة التي تخفف معاناتنا، بلا جهد ولا مال ولا وقت، وللمفارقة فإن هذه الضغوط والسرعة، قللت من كلماتنا الطيبة.
فهل حقًا سرق منا عصر السرعة الكلمة الطيبة؟
سألت نفسي ذلك، عندما اعتذرتُ لصديقة عن طلب طلبته مني، دون أن أرفق اعتذاري بأي كلمة طيبة، لقد رددت على رسالتها بسرعة، لأني كنت مضغوطة بالكثير من الأعمال، مما جعلني أقول الكلمة الضرورية فقط، وقد لاحظت ذلك على نفسي وعلى غيري عدة مرات، ثم أخذت عهدًا على نفسي أن أتوقف عن الاستعجال، ولا أتنازل عن الكلمة الطيبة تحت ضغط السرعة.
الكلمة الطيبة مهمة في كل وقت كما قال الله تعالى: {أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا كَلِمَة طَیِّبَة كَشَجَرَة طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِت وَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ}،[سُورَةُ إِبۡرَاهِيمَ: ٢٤].
لكن في حالات معينة، تصبح الكلمة الطيبة ضرورية أكثر، سأستعرض معكم بعض هذه الحالات:
في حال المنافسة:
النفس البشرية بطبيعتها تحب التفوق والمنافسة، وكثيرًا ما يتدخل الشيطان ليوغر في صدورنا على زميلنا الذي حصل على ترقية في عمله، وعلى صديقتنا التي حصل أولادها على مرتبة متقدمة على أولادنا، ويكون الترياق لتدخل الشيطان هذا؛ هو الدعاء بالتوفيق والبركة لمن تفوق علينا، والاعتراف بمزاياه بكلمة طيبة، رغم صعوبة هذا الاعتراف أحيانًا، لنقل مثلًا: بارك الله له، يستحق هذا المنصب، بارك الله في أولادها، لقد تعبت في تربيتهم.
{وَقُل لِّعِبَادِی یَقُولُوا۟ ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ یَنزَغُ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِینا} [سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٥٣].
عند الاعتراض أو الانتقاد:
يميل العقل البشري بطبعه للتعميم، فإذا تعرض لموقف سلبي من أحدهم، أو سمع كلاما سلبيًا عن أحدهم، فإنه غالبًا ما يعمم هذه السلبية على كل صفات هذا الشخص، وهنا يكون دور الكلمة الطيبة هو أن تكون كالسد الذي يذكرنا بإيجابيات هذا الإنسان، ويمنع امتداد التعميم السلبي عليه، مثلًا: أم تعاني مع أطفالها الصغار، بدلًا من القول: " أولادي عنيدون، لا يطيعوني "
يمكنها القول: " أولادي_ الله يرضى عليهم_ لا يطيعوني بسهولة"
عندما نلاحظ الفرق في مشاعرنا، بعد القول الأول، والقول الثاني، حينها ندرك أهمية الكلمة الطيبة.
عند الرفض:
الكثيرون منا يشكون من عدم قدرتهم على الرفض وعلى قول كلمة " لا"، خوفًا على مشاعر الآخر، وعلى العلاقات مع الآخر، مما يسبب لهم مضايقات وضغوط إن لم يقولوها، أو جلد ذات وشعور بأنهم قليلي خير إن قالوها، والحل لهذه الحالة، هو ما ورد بالآية الكريمة: {وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَاۤءَ رَحۡمَة مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلا مَّیۡسُورا} [سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٢٨].
نرفض رفضًا مغلفًا بكلمة طيبة، وبتمني التوفيق للآخر، فنقول مثلًا: يسّر الله لك أمرك، اعذرني من الصعب أن أساعد، أتمنى لو بإمكاني مساعدتك.
عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
والذي يمكن أن نُجمِلَه بكلمة (النصح):
النصح بطبيعته ثقيل على النفس، لكنه من ضروريات الحياة، ومن فرائض الإسلام، ليس الحل بأن نمتنع عن النصح، وإنما بأن نخففه بكلمات طيبة، ليصبح خفيفًا على نفس المنصوح،
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا مُعَاذ، واللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَة تَقُول: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» صحيح] – [رواه أبو داود والنسائي ومالك وأحمد]
الكلمة الطيبة بلسم للروح، وحسنة سهلة الكسب، فلا نتنازل عنها ما استطعنا.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!