لكل نصيبه من الزنا لا محالة
كتب بواسطة الشيخ كمال المرزوقي
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1679 مشاهدة
كيف نفهم قول نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة ؟
ج/ لا بدّ أن يقع منه شهوة ونظرة وميل بقلبه وقد يقع ما هو أكبر
ربّنا جلّ وعلا عالم الغيب يعلم من خلق وهو اللّطيف الخبير
نزّل شرعة لبشر ناقصين هو يعلم نقصهم وضعفهم وجعل التّوبة من مقتضيات ذلك الضّعف أحبّ الأعمال إليه.
فبين خطاب ربّنا لنا ومعرفته بنا ورحمته، وبين خطاب وعظيّ جاهل يريد من النّاس أن يكونوا ملائكة، حتّى جعل بعضهم مجرّد حركة القلب اللّاإراديّة خطيئة = مفاوز تنقطع لها أعناق المطيّ ومهامه تضلّ فيها البلق
والله ربّنا الرحمن المستعان.
واسمح لي ببعض الاستطراد فالأمر يستحقّ:
هذه الطّهرانيّة المثاليّة الّتي يمارسها (اليوتوبي) الإسلامي، لم يأت بها الإسلام، بل سببها نزعات النّفس للتّفرّد وللتّميّز بأدنى مجهود (بمجرّد إطلاق لحية، أو لبس خمار أو نقاب مثلا)، والجهل بأحوال الجيل الأمثل من الصّحابة رضوان الله عليهم، وضعف الفقاهة في دين الله تعالى.
والمفارقة العجيبة في هذا أنّ عدم تفهّمك للخطيئة الجبلّيّة في النّفس البشريّة هو الطّريق المهيع لعدم احترام الطّهر والفضيلة المركوز فيها بنفس التّناسب.
ولأجل هذا مثلا نرى عدم التّفريق بين مراتب الخطايا كما أرادها الله تعالى وفصّلها العلماء، فنجد من يسوّي بين فعل من عصت بترك التّستّر الشّرعيّ، ومن واقع التّحرّش أو الاغتصاب، باعتبار أنّ كليهما عاص!
ونجد من يسوّي بين سافك الدّم الحرام ومرتكب خطأ في الدّعوة مثلا بجامع الاسم، وأنّ كليهما يشمله لفظ = الخطأ!
فهذا جهل مظلم ظاهر، لكنّ الخفيّ فيه أنّه مرتكز على خلفيّة من الطّهرانيّة في النّظر عند النّاظر، تفترض بشرا بالغي النّقاوة لم يمسّهم دنس ذنب ولا لمم، تصريحا أو تضمّنا، فإن واقعوا شيئا فهم في الإثم سواء، بل يكاد يلغى فرق ما بين الكبيرة والصّغيرة بل قد تجعل الصّغيرة فوق الكبيرة وهو مشاهد منتشر.
وأمّا الإسلام العظيم فقد جاء من عند حكيم عليم يعلم ما خلق وهو اللّطيف الخبير، فلم يفترض واقعا مثاليّا لا يوجد، بل تعامل معه كما هو، وأعمل منظومة التّرغيب والتّرهيب الموضوعة للإنسان كما هو بطائفيه الّذين يلمّان به في ساعتي خيره وشرّه.
* تأمّل ههنا وهو يقول لهم بعد أن منع خطبة المعتدّة:
" علم الله أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرّا إلّا أن تقولوا قولا معروفا "
علم بالضّعف المجدول في الطّين، وفتح لذريعة الحلال بدل الغلق الّذي لا منفذ فيه الّذي يجرّئ على الحرام بتجويز التّعريض والتّلميح بالخطبة من غير تصريح، ممّا يسكّن نفس الرّجل وفورة الشّهوة للبوح، ويطمئن فؤاد المرأة الّتي تأيّمت فخلا عالمها فجأة بموت أو طلاق.
قارن هذا بالسّدّادين للذّرائع بالشّهوة والإطلاق بلا علم ولا كتاب منير.
* وتأمّل ههنا وهو يقول في فرض الصّيام الأوّل الأشدّ الّذي كان من النّوم بعد المغرب إلى المغرب، لا من الفجر:
" علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر "
فخبّر بعلمه زيادة في الإيمان بكونه من عنده، وترهيبا من مخالفة أمر من يعلم السّرّ وأخفى، وأتبعه بتوبته وعفوه القريب الّذي هو جلّ في علاه أفرح به من عبده التّائب المنيب، وفتح الأمل وحطّ عنهم الإصر والشّدّة بالتّخفيف والتّيسير.
وهؤلاء خير القرون يقول لهم (كنتم تختانون أنفسكم).
ونظائر هذا كثيرة، تتبّعها ينبيك عن شرع من لدن عليم خبير بعباده، لا شرع من يلقي الكلمة ويفتي الفتوى، وهو ينظر في أعمال النّاس نظر الأرباب لا نظر العبيد.
ربّ يسّر وأعن!
الشيخ كمال المرزوقي
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة