مسامير يومك
كتب بواسطة الشيخ خالد بهاء الدين
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
3837 مشاهدة
ما مسامير يومك؟
ستتكلم كثيرا، وتكتب كثيرا، وتسمع كثيرا.
أو لن تفعل شيئًا من ذلك.
ستجادل كثيرا بجهل وبالباطل، وكثيرا بعلم وإرادة الانتصار، وأحيانا بعلم وإرادة وجه الله!
أو لن تفعل!
سوف تتابع كثيرًا من الجدالات، وتوزع كثيرا من (الإعجابات) والمشاركات.
وستعقد عشرات المجالس مع أصحابك في النقاش، حول فلان وما قال، وفلان وما صنع، وفلان الذي أساء الأدب.
أو لن تفعل!
ستمرح وتحزن وتتألَّم، وتسأم.
وتعود فتنشط.
ستقول كثيرًا وستفعل كثيرا وتمشي وتذهب وتجيء وتَظلم وتُظلم.
سترى نفوسًا تتداعى معها، وأخرى تنفر منها، ربما تكون محقًّا.
لكنك كثيرًا ستكون ظالمًا لنفسك، أو لنفسك وللناس.
ستشاهد كثيرًا من مباريات كرة القدم، وتتساخف كثيرا مع أصحابك.
سوف (تروّح عن نفسك) حتى تُخرِجها من حالة مللٍ من السَّخافات والأوقات المهدَرة والبطالة!
ربما ستقرأ كتبًا كثيرةً، أو لن تفعل.
ستطالع آلاف آلاف الصَّفحات على (الانترنت)، أو لن تفعل.
ستلعب كثيرًا، وتزهو كثيرًا، وتلهو كثيرًا، وتتزيَّن كثيرًا، أو لن تفعل.
ستلبس أثواب الزّور تُجرجِرها كلّها بنفْسٍ منتفشةٍ بالخيلاء!
ستقول أنا.. أنا.
ستمرض وتضعف وتشفى، أو لن تشفى!
ستموت.
*** عندما تموت سترى عينَ اليقين أن رأس مالك كان وقتك الذي أهدرت أكثره، بين (لا شيء) ينفع في الآخرة، وبين الراحة من هذا (اللا شيء)!!
لم أكتب كلّ هذا لأقول لك في النهاية: (احرص على ما ينفعك)، ووددت ألا أقول غيرها!!
لكنني أعلم أن نفسَك وهواك والشيطان: لا زالوا بك حتى تقول وتفعل، تتأوَّل أنَّ هذا ينفعك، أو تتأوَّل أنك ستفعله للمرَّة الأخيرة، و(غدًا سوف) ينصلح حالك.
=====
=====
لكنَّني كتبت لأنصحك نصيحة أرجو أنها خالصة لله:
1- اجعل في كلِّ يوم لك أعمالا هي بمثابة (المسامير) التي تثبِّت بها عرش يومك.
قل لنفسك: لو لم أثبِّت مسمارًا واحدًا منها في أيِّ يوم؛ فأنا على خطر، مغبون في نعمة الوقت.
2- (الفرائض) هي بمثابة الخطّة الرَّبَّانيَّة لك لكي تدخل الجنة!
هذه نعمة عظيمة جدًّا، يطيش العقل محاولا أن يدرك قدرها فضلا عن أن يشكرها!
(مراعاة الفرائض والواجبات والبعد عن المحرمات)؛ هذا أعظم مسامير يومك!
*** وما زلت أعجب من الأعرابيّ الذي ذهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد أن يدخل في الإسلام..
فجعَل الأعرابيُّ يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ما هو، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرائض، الصلاة والصيام والزكاة .
والأعرابي يَسأل في كلِّ مرة، يقول: (هل عليَّ غيرُها)؟
فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، إلا أن تطوَّع)!
حتى قال الأعرابي: (لا أزيد على هذا، ولا أنقص)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق)!
ووجه العجب عندي: عقل الأعرابيّ رضي الله عنه، الذي جاء يسأل عن (خطة) واضحة المعالم لينجو.
يسأل عن (محدِّدات) دخول الجنة.
عن معيار النّجاة.
وقرَّر (ألا يزيد، ولا ينقص)، فأفلح إن صدق، وأفلحنا إن فهمنا، ووعينا وعملنا !
-- وبقدر عجبي للأعرابيِّ رضي الله عنه، بقدر تعجُّبي من كلِّ من لا يعتني بالفرائض، ثم يعيش حياته بطولها وعرضها يتسكَّع في الحياة الدنيا، حتى يفجأه الموت مغبونًا!
وهؤلاء كثيرون، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ).
وتحتاج نعمة (التكليف) أو (الحلال والحرام) أو (الإلزام بالتشريع) فسحة لشرح أبسط، ليس هنا.
3- (القرآن).
كلام الله تكلَّم به إلى البشر، وأنت بشريّ.
هداية الله، نور الله، فرقان الله، تذكِرة الله.
امتحان يوم الدِّين هو: ما مقدار فهمك للقرآن واتباعك له.
(قراءة القرآن، وتدبّره) مسمار آخر عظيم جدًّا، وإذا لم تكن ممن يقرأ ويتدبّر، فبالله ما الذي يحجزك عن الضلالة والغيّ!
اجعل وردك من (قراءة القرآن)، ومن (تدبّر القرآن)، في كلِّ يومٍ: مسمارًا ثابتا.
واجعل له وقته المحدد، الذي تنقلب الدنيا رأسًا على عقب، لكنك لا تغيره أبدًا!
4- (ذكر الله).
أما والله الذي لا إله غيره إن الذي لا يجعل لنفسه كلّ يوم مجلسا في صفاء وهدوء، بعيدًا عن الصخب والناس والضوضاء، يجلس يسبّح (سبحان الله) ويحمد (الحمد لله)، ويستغفر (أستغفر الله وأتوب إليه)، ويهلل (لا إله إلا الله).
ويقول مائة مرة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
وحبذا لو كان فاهمًا لهذه المعاني، عالما بطرف منها.
أما والله إنه محروم، مسكين.
سبحان ربنا الكريم الرحيم، الذي رتَّب على كلامٍ أجرًا عظيما، ثم انصرفت النفوس عنه، وغدًا تندم!
(مجلس ذكر، ساعة في كل يوم) مسمار مهمٌّ، حافظَ عليه، بل أكثر من ساعة: كلُّ عاقلٍ من أئمّة الهدى التزمه، وحثَّ عليه، وكما قال ابن تيمية: (هذه غدوتى، لو لم أتغدَّ غدوتى؛ سقطَت قوَّتى).
فهذا يعني أنه جعل مجلسه ذاك (مسمارًا) لعرش يومه.
5- الصيام، والصدقة و... أعمال أخرى كثيرة.
اختر منها ما تحب، شريطة أن يكون من أعمال (الوحي المنزَّل) الصالحة، بحكم الله ووحيه نصًّا، التي لا يدخلها التأويل، التي أجمع عليها وعلى كيفيتها المسلمون.
اختر منها واجعلها (مسمار) يومك، ولا تسمح لأيِّ شخصٍ، ولا أيِّ نزاعٍ، ولا أيِّ حدَث، ولا أيِّ خبرٍ أن يحجزك أو يشغلك عن هذه المسامير، التي تثبِّت بها عرش يومك.
6- القليل الدائم ؛ كثير.
والانفعالات الطارئة، لا قيمة حقيقية لها.
والذي يضع خطة لحياته ليترقى في مدارج السالكين إلى الله؛ هو المفلح، وغيره يشبه أن يكون مجنونًا!
وعلامة البطّال؛ التسويف.
والعاقل؛ يبخل أن يعطي غيره من حسناته!
7- (صلاة الليل ومناجاة الله ودعاؤه في السحر والاستغفار ولو بلا صلاة): دواء.
إي والله دواء، لكل مريض، وشفاء لكل صدر.
فحبذا أن تأخذ وتمرن نفسك عليه، إلى أن تجعله مسمارا في يومك.
هناك تلقي حملك، وتستشفي من ظلم نفسك ومن الناس.
8- سألتك بالله يا أخي!
إذا وجدتَ ما يعكِّر عليك شيئًا من ثوابت يومك (المسامير)، إما يشغلك عن فعلها، أو عن خشوعها والانتفاع بها:
فاعلم أنه شرٌّ، وأنك على خطر.
واترك هذا الشيء أيًّا كان!
كان جدالا، أو صاحبًا، أو مبارة كرة، أو لهوًا مباحا، أو أيَّ شيء.
أي شيء!
اسمع مني ما نصحتك به، قبل أن ينقضي عمرك فتأتي يوم الدين تتصفّح كتابك بنفسك، وتقلِّبه بيديك، فتجد فيه كثيرا من اللغو، وكثيرا من الباطل، وكثيرا من اللا شيء..
تقلِّبه تبحث عن عمل يزيدك حسنة واحدة، وأنت واقف أمام الميزان (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون)!
سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
الشيخ خالد بهاء الدين
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة