التنشئة الاجتماعية بين الأسرة والمدرسة والأدب والإعلام
كتب بواسطة بقلم: المربي محمد عادل فارس
التاريخ:
فى : زينة الحياة
1364 مشاهدة
خلق الله الإنسان على فطرة سوية لا تعرف لها ربّاً أو إلهاً إلا الله، فطرة تألفُ الحق والخير، وتنبو عن الباطل والشر. ثم إن الإنسان، بتأثير شهواته، وبنزغ الشيطان، وبما يلقاه من المجتمع، ابتداءً من والديه وأهله، من تضليل وإفساد، يتعرّض لضلال في الفكر والاعتقاد، وانحراف في السلوك. فكلما كان المجتمع أقرب للهداية والاستقامة نشأ الأفراد فيه أنقى عقيدةً، وأنظف سلوكاً، وأقوم أخلاقاً.
ولنقرأ هذه النصوص:
قال تعالى: (فأقمْ وجهك للدين حنيفاً. فطرة الله التي فطر الناس عليها. لا تبديل لخلق الله. ذلك الدين القيم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون). {سورة الروم: 30}.
وروى البخاري ومسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِن مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه".
وروى البخاري ومسلم أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: "حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات".
ولئن كانت الأسرة في عهود سابقة هي المؤثر الأكبر في توجيه أبنائها، فقد جاءت عقود من السنين نازعتها فيها المدارس والإذاعات والتلفاز كثيراً من التأثير، ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لتخطف جزءاً آخر من هذا التأثير.
ومع هذا كله يبقى للأسرة دور مهم في التنشئة الأولى. فإن معالم شخصية الفرد تُرسَم في السنوات الخمس الأولى من حياته، وفي هذه السنوات يكون دور الأسرة ما يزال فعالاً، ولو بمقدار. ويبقى للأسرة بعد هذه المرحلة دور لا يجوز إنكاره أو الاستهانة به. وهذا يضع في أعناق الوالِدِين أمانة ثقيلة، لا سيما وهم يرون الجهات الأخرى التي تُسْهم في تشكيل شخصيات أبنائهم.
فليتّق الوالدون ربّهم في تنشئة أبنائهم، وليعطوا العناية الكبيرة لعقائدهم وعبادتهم وأخلاقهم، وليختاروا لهم المدرسة النظيفة، والرفقاء الصالحين، لينصحوهم ويراقبوهم بحكمة وكياسة... والله يوفّقهم.
ثم لْيتَّقِ اللهَ القائمون على المدارس، من وزارات للتربية ومديرين ومدرّسين وواضعين للمناهج، في مختلف مراحل الدراسة، فإن التلاميذ والطلاب أمانة في أعناقهم، فليحرصوا على تمكين العقيدة الصحيحة والخلق القويم والقيم العليا في نفوسهم، وليُزوّدوهم بالمعلومات النافعة والمهارات المفيدة.
ونأتي إلى رافد تربوي مهم. إنه الأدب، من قصة ورواية وقصيدة ومقالة... وإذا لم يكن من مهمة الأدب أن يقدّم الوعظ المباشر، فإن وظيفته لدى الأديب المؤمن أن يبثّ القيم العليا، ويحبّب بها، ويرفع من شأنها، ويبني مشاعر الاعتزاز بالإسلام وتاريخه ورجالاته... وأن ينفّر من القيم الهابطة، وبذلك نجد الأدب الذي يربط القلوب بالله تعالى، ويُعلي قيم الحياء والسماحة والبطولة والألفة والشهامة والمروءة وإغاثة الملهوف... ويُزري بالهبوط والخيانة والنفاق والجُبن والبُخل والإسراف.
ويأتي رافد الإعلام، وما أخطره من رافد!. إنه الصحيفة والمجلة، وإنه الإذاعة والتلفاز والفضائيات... وقد اقتحمت هذه الوسائل كل بيت، وامتلكت القدرة على تقديم الخبر والتحليل والفكرة والقيمة... بأساليب مؤثرة غاية التأثير، تتسرّب إلى العقول والقلوب والنفوس، بوعي منا وبغير وعي كذلك. وهذا يضع في أعناق الإعلاميين أمانة ثقيلة. فإما أن يمارسوا مهمّتهم بخلق ونظافة، ورقابة لله، وحرص على دين المتلقّي وسلامته الخلقية والنفسية والبدنية... وإما أن يهملوا ذلك أو بعضه، أو أن يتعمّدوا خيانة الإنسان فيَبُثّوا السموم والأكاذيب والفجور والفاحشة، ويوهنوا الإيمان في القلوب، ويهدموا الأخلاق.
ولا بد أن نسجل أسفنا إلى أن كثيراً من وسائل الإعلام تهدم أكثر مما تبني، وتنشر الفساد، وتجعل الإنسان والأخلاق سلعة تبيع فيها وتشتري.
إن القائمين على أجهزة الإعلام، إذا كانوا يخافون الله واليوم الآخر، ويريدون أن يكون عملهم هادفاً بنّاء فليستعينوا بخبراء تربويين ذوي حرص على دين الأمة، لا ليقدِّموا البرامج الدينية فحسب، بل ليوجّهوا مختلف البرامج وجهة صالحة.
ونضمّ إلى ذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي تقوم عليها مؤسسات وأفراد، وتشبه في وظيفتها وسائل الإعلام: بناءً وهدماً، وإصلاحاً وإفساداً.
إن النفس الإنسانية، أمام هذه الروافد، كحوض كبير تصبّ فيه صنابير كثيرة، في بعضها الماء الزلال، وفي بعضها الماء الملوّث، وفي بعضها السم الناقع... وهذه الروافد لا تجتمع وتختلط فحسب، بل تتفاعل فيما بينها كما تتفاعل مع التربة التي تجتمع فوقها. فكلما كانت هذه الروافد أكثر نقاءً كانت مياه الحوض أكثر صلاحاً، والماءُ الكثير لا يحمل الخَبَث.
فليتّق الله هؤلاء الذين يضخّون المياه في هذا الحوض، وليعلموا أنهم مسؤولون أمام الله تعالى، ثم أمام شعوبهم عن الكلمة وعن الفكرة وعن الصورة وعن الغمزة الخفية.
وماذا عن الفرد الذي يستقبل ذلك كله؟!. إنه ليس جهازاً معدنياً. إنه إنسان يستطيع أن يتخيّر، فيغلق من روافد الشر ما استطاع، ويفتح من روافد الخير ما استطاع، ويسأل الله العون والحفظ. (والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم).
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!