هل تنجح صواريخ المقاومة في فكّ حصار غزة؟
في الثلاثين من مارس 2018 انطلقت مسيرات العودة في غزة لتدخل العلاقة بين غزة وإسرائيل في حالة من التوتر المستمر، يخذ في مراحل منفصلة منحى اشتباك عسكري محدود، فيتدخل الوسيط المصري والأممي لتطويقه عبر جملة من التفاهمات تخفف من حده الحصار على غزة، سرعان ما يتراجع الاحتلال عنها، ليعود الاشتباك العسكري مرة أخرى، ويعود الوسطاء للحفاظ على حدود التوتر بما لا يُفضي إلى المواجهة الشاملة.
لذلك من النادر أن تخلو مجالس غزة من هذا السؤال إلى أين نتجه وإلى متى هذه الدوامة من الأمل ثم الانتكاسة والاشتباك المحدود والإجابات عليه رغم اختلافها إلا أنه من الملاحظ أن الناس لديها تقريبا رؤية موحده لشخصية نتنياهو بأنه مخادع ولا يقدم حلول وإنما مراوغات للحفاظ على الوضع على ما هو عليه، ولذلك نجد أن المواجهة الحالية تصر المقاومة في غزة على استمرارها لحين فك الحصار عن غزة، معتقده بأن وضع نتنياهو تحت الضغط المستمر سينهي الحصار.
إلى هنا تكون الرؤية السائدة للمشهد السياسي مع الاختلاف ربما في بعض التفصيلات البسيطة، لكن في الواقع هذا جزء من الحقيقة وليس الحقيقة الكاملة، ويبدو أن هناك إغفال إلى جانب من المشهد ربما بدافع الجهل أو التعامي عند البعض، ولتكمل الرؤية سنضع السؤال التالي ونحاول الإجابة عليه: مما لا شك فيه أن المقاومة وصلت إلى مرحلة متقدمة في العمل العسكري، يجعلها عصية عن الكسر، لكن هل هذا لوحده يكفي للوصول إلى إنجاز سياسي؟ في قراءة بسيطه للتاريخ المعاصر نجد عالمياً أن الاتحاد السوفياتي انهار تماما وفقد نفوذه على ما يُقارب نصف الكرة الأرضية وكان في لحظه الانهيار يمتلك ترسانة عسكرية عظمى؛ لم تمنع تفكك عراه، وعربياً لنا في العراق عبرة، عندما خرج من الحرب مع إيران بقدرات عسكرية تفوق كل المنطقة العربية، فكانت وبالاً عليه، عندما ظن أنه بالإمكان الاعتماد على قدرته العسكرية دون النظر إلى تعقيدات المنظومة الدولية.
وفي المشهد الفلسطيني حماس تحكم قطاع غزة منذ 2007، فشلت في حل أزمات غزة، بل تفاقمت في عهدها، وفشلت في اكتساب شرعية دولية أو حتى عربياً لحكمها في غزة، وليس لديها أي حليف استراتيجي واحد على مستوى العالم، حتى العلاقة مع إيران في بعدها العسكري، أو علاقتها مع قطر في بعدها السياسي لا ترتقي إلى مستوى التناغم الكامل وعلى مستوى الداخل الفلسطيني فالعلاقة بالسلطة الفلسطينية انعكس فشلها على مناحي الحياة كاملة فتفشت البطالة والفقر والفساد، وحتى العلاقة بين حماس وقوى اليسار التي تبدو في مظهرها الخارجي كاعتراض على سياسات السلطة الداخلية والخارجية؛ من السذاجة اعتبارها انعكاس لوحدة المصير والهدف بين حماس وباقي الفصائل في غزة.
العالم الذي نعيش فيه لا يقوم على الأحلام والأمنيات، وإنما لديه قواعد صارمة في التعامل، فالإنجاز السياسي يتناسب مع حجم الخصم ولا يأبه لطموحه الغير مبني على إنجازات داخلية؛ وعوامل دفع خارجية ضاغطه عبر حلفاء لديهم الكثير من النفوذ والحضور الواضح على المسرح الدولي. عندما يُفاوض نتنياهو حماس يضع كل مشاكل حماس في الميزان، ويضع الحفاظ على الانقسام الفلسطيني كأولوية في السياسة الإسرائيلية، لذلك فهو يقدم حلول وتفاهمات تُخفف من حدة الحصار ولا يُمكن أن ينهيه، مع الحرص أن هذه الحلول تُفاقم من أزمات حماس على المدى البعيد، وتُرسخ الانقسام الفلسطيني.
لا يُوجد في القاموس الإسرائيلي الحالي مصطلح فك الحصار عن غزة، وما تقوم به إسرائيل ما بين التفاهم وما بين الضغط العسكري تارة والمرواغه السياسية تارة أخرى، هو محاولات إسرئيلية لوضع حماس أمام حجمها السياسي، وللحفاظ على مصالح إسرائيل في استمرار حالة انعدام المستقبل في غزة، وتقزيم الحلم الفلسطيني بدولته المستقلة عبر استمرار الانقسام الفلسطيني، والضغط العسكري الفلسطيني سيُقابل بضغط عسكري وسياسي يمتلك من أدوات الذكاء وطول النفس، ما يجعله قادرا على الحفاظ على حالة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف في المشهد الغزاوي.
في كثير من الأحيان الحقائق تحمل الألم في ثناياها، لكنها الاعتراف بها يصنع الأمل، عندما قام صلاح الدين الأيوبي بإنهاء الربع ساعه الأخيرة في استعاده الأقصى، سبقها سنوات من العمل على يد نور الدين زنكي لإعادة بناء دولة النزاهة والعدل، فعلينا نحن الفلسطينين أن نخرج من وهم سهولة الربع ساعه الأخيرة ونلتفت في المقام الأول إلى إعادة بناء وحدتنا الداخلية، وأن نعي تماماً أنه لا يمكن الخروج من دائرة الفشل بالبحث عن طوق النجاة لدى الاحتلال الذي ساهم في إفشالنا ويستفيد من هذا الفشل.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة