الاستهداف الإعلامي لقيم المجتمع وأفكاره ومفاهيمه في رمضان
كتب بواسطة سماح ضيف الله المزين
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1023 مشاهدة
كنت أسيرُ رفقة معلمي في شوارع عاصمة عربية وإذ بمعلمي يستغفر الله مستنكراً وجود صورة لامرأة شبه عارية في لافتة إعلانية، استغربت تصرفه فبادرته: هل يجب أن أستغفر كلما رأيت صورة مثل هذه؟ ألا يكفي أننا نرفض هذه المشاهد من دواخلنا؟ أجابني معلمي: إذا لم نؤكد رفضنا للخطأ كلما رأيناه سنتعود عليه، ونستسيغه، ثم يصبح في حكم الأشياء المقبولة والمسلّم بها .
هذه القصة ذكرها مدرب التنمية البشرية فواز العصيمي في إحدى محاضراته، وهي تؤكد ما يشير إليه خبراء التربية من أن الناس يعتادون الأشياء وتصبح أفعالاً غير إرادية يمارسونها بغير وعي، ولهذا تفسير علمي يدعى: البرمجة العقلية، نوضحه في المقال لاحقاً.
تخيّل لو أنك اعتدت مشاهدة قطة يومياً في مكان محدد وموعد محدد يتكرر عليك المشهد بتفاصيله يومياً أو بشكل دوري، ألن تتساءل عنه؟ ألن تبحث عن أسباب وجوده، عن كينونته، عن أهميته؟ ألن يلتبس عليك الأمر وتشكّ في معتقداتك الخاصة عن القطط؟
هذا تماماً ما يفعله الإعلام في رمضان خصوصاً، وفي العام عموماً، إنه يركز على أشياء بعينها، بطرق مدروسة جيداً ليبرمج عقولنا عليها فتصبح جزءاً من اللاوعي لدينا ونتقبلها، ثم ...!
الناس يعتادون الأشياء وتصبح أفعالاً غير إرادية يمارسونها بغير وعي، وهذه هي البرمجة العقلية
الاستهداف الإعلامي والبرمجة العقلية:
الإنسان الذي يتعوّد على قراءة جملة ما في القرآن الكريم بصورتها الصحيحة، لا يمكن إطلاقاً أن يخطئ في نطق كلمات الجملة أو قواعد النحو فيها؛ لأنه مبرمج مسبقا.
إن العقل الباطن يستقبل أية مهارة كانت ويحوّلها إلى عادة عن طريق التكرار ، وكما يقول العرب: "التكرار يُعلِّم الشًّطار" فإن التكرار هو التسلسل الطبيعي لتعلّم أي شيء كان، كما يقول المستشار والمُدرب الذاتي أشرف البوني.
وبالتكرار تجري برمجة العقل الباطن، ويقوم قانون الجذب عليه والكثير من دورات التنمية البشرية تشير إلى ذلك.
و العقل الباطن ذكي جداً، ذو قدرات تتفوق على أشد قدرات الحواسيب هولا ، فهو مخزن لجميع الصور والروائح والأصوات والأفكار وغيرها، كما أنه يتحكم في وظائف الجسم؛ لتعمل بشكل تلقائي ولو كان الإنسان في حالة إغماء.
ولكن من خصائص العقل الباطن أنه لا يفرق بين الصدق والكذب، بين الحقيقة والخيال، فهو كالطفل الصغير يتقبل ما يتردد حوله خصوصاً إذا امتزج بمشاعر صادقة ، فهو أداة حيوية تنشط بالتكرار ولا شيء آخر، وإذا تكررت فكرة ما أمام شخص ورافقتها مشاعر صادقة سيبدأ عقله الباطن بتمريرها إليه بانتظام فيتبناها الشخص ويعيشها واقعا.
وهكذا يعمل قانون الجذب، وهكذا يستطيع ذوو الأغراض تمرير أفكارهم، فهم يلعبون على هذا الوتر باحتراف، وهذا هو الوتر الذي يقصده الإعلام بتكرار الأفكار ومظاهر الاستهداف الإعلامي التي تُراد برمجة العقل عليها.
يستهدف الإعلام مبادئ الناس وأفكارهم وعقيدتهم بتكرار مشاهد لتمرير الأفكار التي تُراد برمجة العقل عليها
مظاهر الاستهداف الإعلامي في رمضان:
لعل أهم مظهر من مظاهر الاستهداف الإعلامي في رمضان هو تسريب فكرة أن رمضان والصوم شيء ممل جداً وظالم، وكأنهم يقولون صراحة: نحن نعلم أن الصوم ممل ولا شيء لديك لتفعله، سنعبئ وقتك بمسلسلات تكسر مللك، سنحاصرك بإعلانات الجديد، سنقدم لك المرح والفكاهة والمتعة!
أهم مظهر من مظاهر الاستهداف الإعلامي في رمضان هو تسريب فكرة أن رمضان ممل جداً وظالم ويحتاج لملئه بالمرح والمتعة
حاولت عشرات المرات أن أسلّم لفكرة أن هذا قد يكون طبيعياً وتلقائياً؛ لأن رمضان – ربما - موسم مناسب لطرح الجديد، فهو شهر كامل، والجميع ينتبه لخصوصيته، لكن أصدقكم القول، فلا ضميري ولا عقلي ولا قلبي تقبلوا الفكرة، لماذا رمضان بالتحديد؟ لم لا يكون الكريسماس أو بداية العام مثلاً وغيرها من المناسبات غير الإسلامية؟
قبل عدة سنوات طلب مني أحد المخرجين تكوين فريق لرصد ما تبثه قنوات إعلامية (محددة) خلال الشهر الفضيل، سأنقل إليكم بعض المظاهر التي دعتني لأقف وأتأملها طويلاً:
1. زرع أفكار تنادي بجعل الحب ديناً، والإنسانية ديناً، والسعادة ديناً، بينما تلصق بالإسلام تهمة الإرهاب ويتعمدون إخفاء حقيقة أن الإسلام دين هذا كله.
2. إقناع المشاهد أن الزواج مؤسسة فاشلة، وبالتالي تفكيك الأسرة وزرع قنابل من الشك في عقول المتزوجين والمقبلين على الزواج، بالتوازي مع تجميل صورة الحرية الجنسية وانتقاد ضوابط العلاقات.
3. تحديد سن لمن يمكنه مشاهدة المسلسل (+12، +16، +18 .. إلخ) وكأن الخطأ والمحرمات يمكن تجزئتها، وإن كانت الدراما والسينما تمرر أحياناً أفكاراً جيدة وتضيء على مشاكل اجتماعية مهمة؛ إلا أنها غير أمينة في المعالجة ونقل الحقيقة!
4. تهيئة الناس لاستساغة التلامس الجسدي والعري والفساد الأخلاقي واللعن والشتائم والبذاءة المفرطة والإيحاءت الجنسية التي يمرر بعضها بدعوى الضحك، وكثير من التصرفات والأخلاقيات التي لا يقبلها المجتمع.
5. تسريب فكرة أن العالم مكان غير آمن، زاخر بالمشاكل، الكل يشك في الكل، ولا أحد يستحق الحب والاحترام، ولا الأهل، وأن العرب يستحقون الدمار، فتدعو الدراما للتخلي والتدمير لا لتقريب وجهات النظر والتغيير الإيجابي.
6. تصوير خاطئ لمفاهيم مثل سوء الظن وكأنه حذر، وللعقوق وكأنه حرية، وللتسامح وكأنه ضعف، وللإنسانية وكأنها مثالية زائدة وغير ممكنة...
7. ترسيخ التفكير العدمي، والفلسفة الوجودية المبنية على المادة، واللا جدوى.
8. تجميل الأفكار الإلحادية عبر الحديث عن الإسلام وكأنه دين الحروب وتصوير الغزوات والدماء بأقصى صورة تشوه الإسلام وتجرّمه وأهله.
9. تضخيم قضايا تافهة ودفع الشباب إلى تبنيها لإبعاده عن القضايا المهمة.
10. تمويه الحقائق؛ ليشعر الشاب بالضياع، فيسهل إقناعهم وجذبهم والتأثير عليهم والتلاعب بهم.
11. تمرير صورة المحجبة الجميلة، التي لا يستوفي حجابها أياً من شروط الحجاب.
12. تعويم حقوق المرأة وتلميع نماذج بصورة مقصودة، والتدرج في تسميم أفكارها ضد الدين الذي يحافظ عليها.
أخيراً:
وإن رفض الجميع التسليم بوجود مؤامرة، فإنها موجودة ومكثّفة شئنا أم أبينا، وهذا شكل واحد فقط للغزو الفكري الذي يستهدف موروثاتنا الثقافية والإسلامية تحديداً، ويتعمّد تغيير القناعات بدعوى الحرية والانفتاح والوسطية...
وللأسف فإن هذا كله يحصل في رمضان بتكثيف غير مسبوق.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة