ما الذي يعنيه للداعية أن رمضان 'شهر الانتصارات'
كتب بواسطة تسنيم الرنتيسي
التاريخ:
فى : تحقيقات
1511 مشاهدة
عندما يُذكر الانتصار في رمضان، يُصرف الذهن مباشرة إلى الانتصارات العسكرية التي حققها المسلمون على أعدائهم من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت وغيرها من الملاحم الإيمانية التي كتب الله فيها النصر المؤزر لعباده المؤمنين وهذا حق، لكن مجالات الانتصار في رمضان بالنسبة للمؤمن غير مقتصرة على هذا الجانب فقط، فما هي الانتصارات التي يجب على المؤمن الصائم أن يحققها وينجح في امتحانها ليخرج منها بحظٍ وافر، وما الذي يعنيه للداعية أن رمضان شهر الانتصارات؟
المقصود من "رمضان شهر الانتصارات"
من ناحيته، قال الداعية إبراهيم الأسطل: "إنّ ما يقصده الدعاة عند قولهم بأن "رمضان" شهر الانتصارات معنيين، وهما: الأول وهو القريب إلى الأذهان وهو الانتصار في صولات القتال وجولاته أمام أعداء الله تعالى، والمعنى الآخر وهو البعيد وقد يكون مقدمة للمعنى الأول، وهو الانتصار على النفوس والأهواء، ذلك لأن ّالمسلم لا ينتصر على عدوه إلاّ إذا انتصر على نفسه الأمّارة بالسوء".
وأضاف أن الله جل -وعلا- فرض علينا الصيام لننتصر على نفوسنا أولاً ثم إذا انتصرنا عليها كان حرياً بنا أن ننتصر على أعدائنا، لذا علينا كمسلمين أن نعي حقيقة الصيام إذ نحن في صراعٍ دائم مع عدونا الأول إبليس الذي أخرج أبانا آدم وزوجه من الجنة، وتعهد لله تعالى أن يغوينا، فننتصر على نفوسنا من خلال كبح جماحها عن المباحات أولاً لنستعين بذلك على كبح جماحها عن المحرمات ثانياً.
الداعية إبراهيم الأسطل: ما يقصده الدعاة عند قولهم بأن "رمضان" شهر الانتصارات معنيين، هما الانتصار في صولات القتال وجولاته أمام أعداء الله تعالى، والانتصار على النفوس والأهواء
الانتصار الحقيقي
واستدل الأسطل بقصة طالوت وجنوده الذين أخبرهم نبيهم أنهم سيمرون في طريقهم على نهر، وأوصاهم ألاّ يشربوا منه، إلاّ غرفة بأيديهم، ومن شرب فوق ذلك وجب عليه أن يعود ولا يشارك في القِتال، منوهاً إلى أن الجيش لم يكن في تلك الحالة صائماً وإنما بلغ بهم العطش مبلغه، فأراد القائد اختبارهم بالامتناع عن شرب الماء؛ لأنّ من لا يستطيع الصمود أمام شهوة بطنه، لن يستطيع الصمود أمام شهوة حياته، ولن يضحي بنفسه.
وتابع: "كما أنه من شرب فأكثر من الشرب كان ذلك مُثقِلاً لكاهله عن القيام بأعباء الجهاد، فيجد صعوبة شديدة في حمل السلاح، وهذا واضح ممن لم يدركوا حقيقة الصيام فأكثروا من المأكولات والمشروبات، تراهم لا يستطيعون القيام إلى الصلاة، وإذا قاموا تكاسلوا، وصاروا يوصون الإمام بقولهم "من أمَّ منكم فليخفف" ولو فقهوا حقيقة الصيام لقالوا "من أفطر منكم فليخفف ".
وأوضح الأسطل بأن كثيرين يأتون للاستفتاء عن أشياءٍ يسيرة، "كأن يقول أحدهم لا أريد أن أتمضمض خشية أن يدخل شيء من الماء إلى جوفي فأفطر، ويتناسى أنه قد ولغ في الحرام كأكل الميراث، والغش، والغيبة والنميمة، ونقل الإشاعات، ويحمل الحقد والحسد في صدره، وغيرها مما حرمه الله تعالى، فهذا لم يدرك حقيقة الصيام بعد"، على حد تعبيره.
جوانب الانتصارات متعددة
وقال الأسطل:" إنّ الله تعالى غالباً ما يخاطبنا بأسلوب الجماعة، وهذا يشي لنا بأن المسلمين ينبغي أن يعملوا جميعاً لخدمة دينهم ولرفع رايته، ليس شرطاً أن يكون كلهم في جانبٍ واحد، بل في جوانب متعددة، وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
وأشار إلى أنّ جوانب الانتصارات من حيث نوعها متعددة، فهناك جانب عسكري بالقتال في سبيل الله، وجانب بالعلم والدعوة إلى الله تعالى، وثالث في نفع الناس في أمور دنياهم كالصحة، والزراعة والصناعة، والتجارة وغيرها.
وأردف قائلاً:" ومع ذلك يمكن للفرد أن يقوم بتربية نفسه وتدريبها على طاعة الله تعالى، والوقوف بين يديه، واللجوء إليه، والاستعانة به، ثم اختيار المجال المناسب لخدمة الأمة، وهذا يجعل الواحد منا عبارة عن ترس فعّال في ماكنة المجتمع فإذا كان أفراد المجتمع كذلك أصبح المجتمع كخلية نحل في الجد والنشاط والانتاج، ولا أدلّ على ذلك في وقتنا الحاضر من النموذج التركي والماليزي على المستوى الإسلامي.
واقع أمتنا المرير
أما بالنسبة لواقع الأمة المرير إذ أصبحت أمتنا لا قيمة لها بين الأمم، وصار الواحد منا حيران أهذه خير أُمةٍ أخرجت للناس، قال الأسطل:" إنّ هذا الواقع فصّله النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت) (رواه أحمد وأبو داود).
وذكر أنّ "النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى حب الدنيا الذي أعمى أبصارنا وختم على قلوبنا فصرنا نتعاون مع أعداء الله ضد إخواننا في الدين، ونقتتل فيما بيننا على دنيا فانية، ولو فقهنا حقيقة ديننا لوجهنا سهامنا نحو أعداء الله وقاتلنا اليهود المحتلين، الذين هم السرطان المدمر ومحور الشر في العالم"، مؤكداً أنّ هذا المعنى فهمه أهلنا في غزة فوجهوا سلاحهم نحو اليهود ومرّغوا أنوف الجيش الذي لا يُقهر في التراب، في العصف المأكول، حتى أصبح الجندي الصهيوني على شاشات التلفزة يقول (إيما إيما) -أمي أمي- وما جولة التصعيد الأخيرة عنا ببعيد.
ووجه الأسطل رسالة إلى شباب الأمة ودعاتها قائلاً:" لنتذكر أن لنا خالقاً عليماً بأحوالنا مطلعاً على سرائرنا، يرانا من حيث لا نراه، منَّ علينا بنعمة رمضان العظيمة، فلا يفقدنا الله تعالى حيث أمرنا، ولا يرانا حيث نهانا، ولنركز على الجانب العملي فيما ينفع الأمة ولا نضيع أوقاتنا فيما لا فائدة منه حتى لا نندم يوم لا ينفع الندم".
مع الصوم يكون الصبر والنصر
ومن جهته، قال الدكتور سالم سلامة- رئيس رابطة علماء فلسطين سابقاً-: "إنّ رمضان هو شهر الصوم والصبر على هذا الصوم وشهر الانتصارات، ومن ينتصر على نفسه ويكبح جماحها حريٌ به أن ينتصر فيما عدا ذلك"، مضيفاً أن شهر رمضان له ميزات لا توجد في غيره من الشهور فهو شهر الصوم عن كل المفطرات فرغم حاجة المسلم للطعام والشراب والزواج وهي أشياء فسيولوجية لا غنى للإنسان عنها، لكنه يمتنع عنها ابتغاء وجه الله واحتساباً للأجر وحتى يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
د. سالم سلامة: الأمة الإسلامية باتت مكبلة ومهزومة؛ لأنها تخلّت عن دينها حتى نزع الله منها المهابة في عين أعدائها وقذف في قلوبها الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت
وتابع "كيف لا يكون شهر الانتصارات وفيه ينتصر المسلم على نفسه الأمارة بالسوء، وعلى الشياطين التي لا تستطيع حراكاً، ولا بد أن ينتصر المسلم على شياطين الانس الذين يريدون بنا سوءاً وبمقدساتنا وبإيماننا، وثبت أنّ مع الصوم كان الصبر والنصر وقد كتب الله لنا الخير في هذا الشهر وماضينا وحاضرنا يؤكد ذلك".
وذكر سلامة أنه "لا خير فيمن لا يصلي أو لا يصوم فمن خان حيّ على الصلاة خان حيّ على الكفاح وخان بقية الدين، وإذا ضاع الإيمان فلا أمان على الوطن ولا على المقدرات ولا على الدنيا لمن لا يحمي دينه".
وأردف قائلاً: "إنّ علينا أن ننصر ديننا؛ لأنّ الله أقسم بأن ينصر من ينصر دينه،}وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ{ [الحج: 40]، فمن لا يعترف بحقوق الجرحى والأسرى والشهداء لن ينصره الله".
لماذا أضحت أمتنا مهزومة
ونوه سلامة إلى أنّ الأمة الإسلامية باتت مكبلة ومهزومة؛ "لأنها تخلّت عن دينها حتى نزع الله منها المهابة في عين أعدائها وقذف في قلوبها الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت، فبالأمس لو اعتُدِيَ على مسلم في شرق البلاد أو غربها لوجدت المسلمون في كل بقاع الأرض ينتفضون له، أما الآن فتجد المسلمين محاصرون ومن يساهم في حصارهم هو أقرب الناس لهم ومن بني جلدتهم، حتى بتنا لا نستطيع الوصول إلى مقدساتنا، لافتاً إلى أنّ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو المُلهم المُبشّر بالجنة قال: (احرص على الموت توهب لك الحياة)، ونحن الآن نفعل عكس ذلك.
الذنوب تُعِين الأعداء علينا
وأكد سلامة على أنّ من يستطيع أن يستغل ويستثمر هذا الشهر المبارك يستطيع أن يقفز قفزات واسعة وثابتة؛ لأنّ الله أكرمنا بأن صفّد الشياطين وخاصة مردتهم فما عادت تغري الناس كما في السابق، متسائلاً: إذا لم نستطع أن ننتصر والشياطين مُصفّدة فمتى سننتصر؟
وذكر أن الذنوب تعد عوناً للأعداء علينا، قائلاً: "إياكم والذنوب فإنّها أعون للأعداء علينا من أسلحتهم التي بين أيديهم ، فكيف سننتصر وذنوب الناس قد طغت، فهذا ينصب وذاك يسرق ويأكل مال أخيه، فلا بد أن نعين أنفسنا ونتقرب إلى الله ونقلع عن الذنوب في هذا الشهر الفضيل الذي فيه الأجر مضاعف، ولا عدّاد له، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) (رواه البخاري ومسلم).
غزة تُصوّب البوصلة
وأكد سلامة على أن "غزة اليوم تضرب أروع الأمثلة، وتواجه رابع قوة عسكرية عالمية، وتقف حجر عثرة في وجه ترامب، مضيفاً أن قلوب الشعوب العربية والأمهات والشرفاء معها، لكنّ الأنظمة الرسمية والحكومات تخلّت عنها بل ووقفت مع عدوها وحاصرتها".
وتابع" بالأمس كان التصعيد الصهيوني على غزة ولم يستطع العدو أن يقف ويصمد أمام مجاهدينا الذين قالوا "إن زدتم زدنا وفرضوا قواعد جديدة " ونحن نقول بِيَدنا المفتاح ولن نُسلّمه إلا بفتح بيت المقدس كما علّمنا صلاح الدين الأيوبي، أما تلك الأنظمة والحكومات فينطبق فيها قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{ [التوبة:47].
وذكر سلامة أنّ هذه البقعة "غزة" هي الشرارة التي تُشعل برميل البارود الذي ينفجر في الأعداء، "ونحن نفخر بأن نكون القوة الواقفة في وجه رابع قوة عسكرية في العالم، في حين أنّ هناك دول يقطنها الملايين لا يستطيعون أن يخالفوا اليهود في رأي، ولذا نراهم يُطبّعون سراً، والآن ذهب الحياء منهم حتى باتوا يطبعون علناً".
وختم سلامة حديثه بالقول:" لقد مضت العشر الأوائل من رمضان فمن ظلم نفسه أو قصر في حقها فليلحق نفسه في الثلثين الأخيرين وهما ضعف ما مضى من الشهر الكريم".
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة