عندما يستعبدون الناس
فكرة استعباد البشر فكرة في غاية التخلف.. كيف يظن إنسان أن من حقه أن يتحكم في إنسان آخر يحمل نفس صفاته الخلقية وربما الخلقية وقد يتميز عنه أو حتى يشبهه في كل شيء؟
كيف يبرر لنفسه أن يستغل ضعفه أو فقره أو حاجته ليسمح لنفسه بممارسة دور إله على ذلك الإنسان؟
لقد كان الرق من أشد البلاء الذي حل بالأرض والذي بسببه مورس كل أنواع الظلم والأذى.
ولو ضممت للرق المعروف أنواعا أخرى من الرق لا تزال تمارس إلى الآن مثل استرقاق الشعوب المحتلة لصالح من احتلهم وامتصاص خيرات أراضيهم وكذلك لو تأملت في أعمال الحكام الظلمة ومن عاونهم في النظر للمحكومين وطريقة تعاملهم معهم وسرقتهم لخيرات الشعوب وتحكمهم في أموال وخيرات البلاد وكأنها ملك خاص لهم.
ثم حين يعترض الناس أو يتململون أو يطلبون بعض الخير مما هو من حقوقهم إذا بالسادة يذيقونهم أشد أنواع الهول ويوقعون بهم كل أصناف التنكيل الفكري والنفسي والبدني والمالي.
لو تأملت في حال بعض الكفلاء وممارستهم.. بل وفي نظام الكفالة نفسه الذي يتحكم في المكفول حتى في استقدامه لأسرته أو تحوله من عمل لآخر.
لو نظرت في حال المرأة الغربية على سبيل المثال وكيف كبلوها بقيود حين زعموا أنهم حرروها.. حرروا جسدها لينهشوه وليعرضوه في سوق النخاسة فيما يسمى عروض ملكات الجمال وغيرها.
وبعد ذلك جين تتخطى سن الشباب تهمل وتترك وتضطهد في سوق العمل وقوانين الارتباط الذي جعلوه بديلا عن الزواج الديني فجلب التعاسة لأفراد الأسرة.
لو تأملت هذا لعلمت أن الاستعباد لا يزال يمارس في حياة البشر.
وعندما جاء الإسلام حرر الناس من كل هذا : من عبودية لغير الله تعالى في العقيدة ومن عبودية البشر في المعاملات والحقوق.
لذا فهو بحق محرر العبيد ..فقد ناوئ تلك الخصلة الذميمة من أول يوم حين ساوى بين المؤمنين في الحقوق والواجبات وحين اعتبر العبد المؤمن خير من السيد الكافر.
وحين وقف مع الضعيف إن ظلمه القوي حتى يأخذ الحق له..
حين أعاد للمرأة حقها وطالب بإكرامها بالإنفاق عليها: أما وأختا وزوجة وبنتا.
كل هذا في الدنيا.. لقد سعى لترسيخ العدل ولحفظ الحقوق وردع الظالمين ولم يطلب من الناس أن يتداووا بالصبر.. وإن كان الصبر مطلوبا.
ومن أهم ما جاء به الإسلام هو تحرير العبيد من تلك العقائد والعوائد والأوهام التي تصرف طاقة البشر وعبادتهم لغير الله تعالى وتقدمها طواعية على مذابح العقل والفهم إلى مجموعة من الكهنة لأفكار أو عقائد أو تخاريف أو فلسفات.
كل العقائد المنحرفة هي عبودية يجب على البشر أن يتخلصوا منها فلا نجد من يعبد حجرا أو شجرا أو إنسانا أو فكرا.
وكلما تأملنا في حال شعوب وأفكار وفلسفات تدعي حربها للاستعباد لكنها تعلي من شأن أفكار أو قيم أو فلسفات إنسانية وتحاكم من اختلف معها وهي بذلك كاذبة خاطئة وذلك نوع من العبودية أيضا يجب التخلص منه.
إن الإنسان الذي أراده الله تعالى حرا ورسم له منهجا سويا وبين له عقيدته التي تقيم حياته بلا أوهام ولا مبالغات ولا تقديس لأشخاص يجب أن يفهم المعنى الحقيقي للحرية وللعبودية لله تعالى.
إن الإسلام الذي هذا حاله هو الذي حارب حقا العبودية لغير الله تعالى والذي حرر الإنسان من كل تلك الأوهام التي اخترعها البشر ليسود قيصر الذي احتال على الأديان المحرفة حتى ظفر بالمقولة المشهورة “دع مال قيصر لقيصر” فليهنأ بما نهبه لنفسه دون حساب وبوازع ديني ورعاية كهنوتية ضمنت له رغد الحياة في ظل نصوص محرفة ثم ساوى نفسه بالله تعالى “ومال لله، لله” وهي من معاني العبودية التي تسوقها عقيدة العلمانية باعتبارها رقي وهي نوع آخر من تبرير العبودية لغير الله تعالى.
إنما يريد الإسلام منا أن نرتقي لمستوى الحرية في عبوديتنا لخالقنا الذي حررنا من كل عبودية لمن وما سواه.
حررنا الإسلام من كل هذا ولعل التعبير الأوفق لوصف تحررنا ما قاله ربعي بن عامر لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
قال ذلك يوم القادسية، حين بعثه سعد —رسولاً إلى رستم (قائد الفرس)، فدخل عليه ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبَها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحُه ودرعه وبيضتُه على رأسه.
فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه؛ فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضيَ إلى موعود الله، قالوا: وما موعودُ الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.)
أما في الآخرة فقد كان بيان ما يحدث لهؤلاء المستعبدين لغيرهم رادعا لمن كان له قلب وفي صحيح البخاري : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
{قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ}
فتأمل معي في المشكلة وفي عقابها: الأولى الغدر وباستخدام الخداع الديني حين جعل القسم أو الأمان سبيلا للغدر بالناس ..وكم فعل ذلك حكام مثلا حين عاهدوا الناس على الاستقامة والعمل لمصلحة البلاد ثم لما تمكنوا منهم خانوهم وغدروا بهم.
والثاني: باع الأحرار إن حقيقة أو مجازا ويا له من غدر من نوع آخر قال المهلب: وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين أكفاء في الحرية،
فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه.
وقال ابن الجوزي: الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده.
وثالث: (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) فهو غدر من نوع ثالث يستغل فيه بعض أصحاب النفوذ قوتهم وجبروتهم واعتمادهم على أن ضعف الآخرين يلجئهم للسكوت عن المطالبة خشية تسلط آخرين.
هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها،
ولأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده.
معركة تحرير العبيد وتحرير العقول والأنفس معركة طويلة ومستمرة وشاقة ويجب علينا أن نضعها في حسباننا ونفرغ لها من جهودنا وقدراتنا الشيء الكثير.
المصدر : جريدة الأمة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة