كيف تغيّر العالم وحدك؟
لمَ التعجب، ولماذا أرى هذه الدهشة على ملامح وجهك، أو الاستخفاف بالجملة التي قرأتها كعنوان للمقال!
نعم، تستطيع أن تغير العالم وحدك، بل ربما أيسر مما تتخيله أو يتخيله أكثر المتفائلين أملاً في هذا الأمر.
وقبل أن أخوض في حديثي معك دعنا نعود سريعاً إلى إحدى ليالي شهر ديسمبر 1955م؛ لنشاهد سوياً هذا المشهد بشكل سريع ومختصر:
سيدة سمراء البشرة تعمل كخياطة في بلدة توسكغي في آلاباما (إحدى الولايات الأمريكية) حيث تسكن، ترتاد المواصلات كما تفعل كل يوم أثناء ذهابها وعودتها من العمل، وتدعى هذه السيدة (روزا باركس).
كان القانون الأمريكي آنذاك يمنع جلوس الرجل أو المرأة من ذوي البشرة السمراء، بينما يقف الرجل أو المرأة من ذوي البشرة البيضاء، متجاهلين الأعمار أو العجز البدني أو الأدبي لأصحاب البشرة السمراء.
استقلت (روزا باركس) الحافلة رقم (2857) واتجهت لأحد المقاعد الفارغة وجلست، وما لبثت تتحرك الحافلة حتى وقفت بعد دقائق وصعد رجل ذو بشرة بيضاء، واتجه نحو المقعد الخاص بـ (روزا باركس) وتسمّر أمامها وكأنه يقول لها: يجب عليك الوقوف لكي أجلس -كما هو معتاد- وهنا فكرت (روزا باركس) وقررت: "سوف أسقط هذا القانون الجائر بنفسي"، ورفضت الوقوف من مقعدها، وهنا انقلبت الحافلة رأساً على عقب، وتطورت الأمور إلى أن وصلت إلى استدعاء الشرطة التي قامت بدورها باصطحاب (روزا باركس) لقسم الشرطة ومن ثم تحرير محضر ومن ثم تحقيقٌ وغرامة (15 دولاراً).
رفضت (روزا باركس) دفع الغرامة وتضامن معها ذوو البشرة السمراء، وانطلقت شرارة الثورة (مقاطعة المواصلات – المطالبة بحياة كريمة – حالة من الإضراب) استمرت نحو 381 يوماً حتى تحقق الأمل المنشود وأسقطت (روزا باركس) القانون الجائر أخيراً.
ليس هذا وحسب، بل تم شراء الحافلة 2857 بـ 492.000 دولار أمريكي، ووضعها في متحف هنري فورد، كما حصلت (روزا باركس) على الوسام الرئاسي للحرية عام 1996م، والوسام الذهبي للكونجرس الأمريكي عام 1999م، وهو أعلى تكريم مدني – وحضر جنازتها حول 50.000 مشيع... انتهت القصة!
هل شاهدت معنا كيف استطاعت (روزا باركس) أن تسقط القانون الجائر المفروض على كل أصحاب البشرة السمراء؟
نعم تستطيع، ولذا دعنا نبدأ في الإجابة عن السؤال الثاني:
كيف أستطيع أن أغير العالم وحدي؟
ولكي أجبك عن هذا السؤال، دعني أطلب منك أن تحضر ورقة وقلماً الآن؛ لتبدأ معنا رحلة تغيير العالم بشكل عملي.
ابدأ معنا:
1. عليك أن تعلم أن بداية أي نجاح هو العمل، وبداية أي عمل هي الفكرة، وبداية أية فكرة هما التخيل والحلم ، اكتب كيف ترى نفسك بعد تحقيق طموحك في تغيير العالم؟ أين أنت بعد تغييره؟
2. ما هو المجال الذي تستطيع أن تعمل فيه وتقدم منجزاً أعلى مستوى من استثمار طاقتك وقدراتك؟ اكتب مجال تخصصك الذي تستطيع أن تعطي فيه وتعمل من أجل تحقيق حلمك الذي سبق وكتبته.
3. ما هي أهدافك في هذا المجال والتي ستعمل على تحقيقها لكي تحقق حلمك؟ اكتب أهدافاً واضحة، مرتبطة بتوقيت تحقيقها، يمكن قياسها، وتناسب الواقع، ثم رتبها وفق الأولويات.
4. كيف يمكنك العمل في هذا المجال لكي تحقق الأهداف التي رصدتها وفق النقطة السابقة لتحصل على أعلى استفادة ممكنه لكي تحقق فيها حلمك؟ اكتب الوسائل التي ستساعدك على تحقيق الأهداف التي كتبتها.
5. من أين ومتى تبدأ؟ اكتب بالتحديد موعد البداية ومن أين ستبدأ تحديداً في كل ما كتبته من وسائل وأهداف لتحقيق حلمك.
6. مرحباً بك في فرقة روزا باركس في تحرير أصحاب البشرة السمراء، ومجموعة صاحب النقب في إحداث الانتصار، وجماعة عبد الله بن ياسين في بناء دولة المرابطين، وأديسون في إنارة العالم أجمع، و...
الأمر باختصار يتلخص في أن تبدأ.
ابدأ، فأبدأ، فيبدأ، فنبدأ، (أنت – أنا – هو – نحن) وزع الضمائر بالترتيب على النقاط.
إن النجاحات العظيمة نابعة من شعور كل فرد في المجموعة بالمسؤولية والإيجابية الفردية، والمبادرات الذاتية خصوصاً عندما تغيب الهيئات الجامعة عن دورها، أو تتعطل لبعض الوقت ، فيجب أن نشعل جميعاً إحساسنا بالمسؤولية لكي تعود الهيئات والجماعات لدورها بفعل هذه الحماسة وهذه الممارسات الإيجابية.
يجب أن تبدأ مبادرتك الشخصية في تغيير العالم، ويجب أن أنطلق أنا أيضاً بمبادرتي الشخصية في تغيير العالم، وهكذا يفعل الجميع كي يتحقق الحلم المنشود في دولة الحق والعدل والحرية.
ملحوظة/ (روزا باركس) ليس المثال الوحيد بل التاريخ زاخر بأمثال هذه المبادرات الشخصية التي أسهمت في تغيير الواقع إلى مستقبل منشود.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة