كاتب لبناني وباحث في الحركات الإسلامية
بين أمير الطائفة والشعب.. من هو الطاغية في لبنان؟
كتب بواسطة نبيه العاكوم
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1349 مشاهدة
من الذي فرض نفسه على الآخر في لبنان؟ الطاغية، أمير الطائفة فرض نفسه على الشعب؟ أم الشعب فرض على نفسه هؤلاء الطغاة؟ في العادة، في التاريخ، يُفرض على الشعب حكم الطاغية. الأخير يأتي من خلال انتخابات، من الممكن أن تكون حرّة، ولكنه يُدعِّم سلطاته، يعدل في الدستور، ويصبح ديكتاتوراً ثم مستبداً فطاغية. من الممكن أيضاً أن يرثها من أبيه الطاغية، حال الكثير في عالمنا اليوم وفي التاريخ. ولكن ما يجعل في لبنان استثناء، أن الشعب اختار الطغاة، واستمر بهم حكاماً، ورضخوا له، بل أصبحوا يخدمونه كالرقيق في أيام الإقطاع، تأتيهم الفرص دائماً لإزاحتهم، لكنهم يصرّون عليهم.
يتساءل الكثير: كيف أمكن لكثير من اللبنانيين، أن يتحملوا وطأة الطغاة، زعماء الطوائف؟ طغاة لا يملكون من القوة إلا ما أعطوهم الشعب لهم! بل أصبح اللبنانيون يفضلون أن يعانوا منهم الأمرّين على أن يعارضوهم! معظم هؤلاء الطغاة، أمراء الطوائف، كان لهم باع طويل في الحرب الأهلية. يوم كانت الطوائف تتصارع من أجل البقاء، هكذا ادّعى أمراء الحرب. وجدت الطوائف الأمراء قد برهنوا عن قدر كبير من الفطنة والدراية في رعايتهم، وأبدوا جرأة كبيرة في الدفاع عنهم، طبعاً من خلال الاستنجاد بالخارج، ومن ثم استخدام الدم والإرهاب والمجازر في الداخل. فاعتادت الطوائف على طاعتهم واعتمدوا عليهم ومنحوهم الثقة. ولكن العجب أن خلعوهم من مكان كان يصنعوا بهم خيراً، حسب ظنهم، ليرفعوهم إلى مكان أصبحوا يصنعون لهم شراً! هل هذه من الحكمة أو من الخِفة؟
هؤلاء الطغاة يضحكون على شعوبهم، فهم لا يقترفون شراً، خصوصاً في نتائجه، إلا مهدوا له ببعض العبارات الثورية الشعبوية عن مصلحة الطائفة وحمايتها. وحتى يجددوا العهد مع كل استحقاق، نثروا الأموال أحياناً على طبقة الفقراء، وزادوا من عدد المستشارين واختاروهم من طبقة النُخب الفكرية، وقاموا بإنشاء وظائف ومناصب جديدة وما ذلك ضرورياً للمؤسسات وللدولة، ولكن لخلق دعائم جديدة للطغيان. ولأن الوظائف محدودة، قد يلجأ الطغاة إلى الكذب بطرح الوعود، والتي تصل أحياناً بسبب المبالغة فيها إلى نكات!
اللبنانيون اليوم يُسرقون، يُنهبون، يُسلبون، يُعذَّبون، لا من قِبل غزاة من خارج الوطن، بل إنهم يعانون كل ذلك من أمير الطائفة، لا هو ستالين ولا هتلر، بل هو رجل عادي أو أقل، اختاروه هم بأنفسهم
هي خِفّة أقل ما يُمكن، أن نرى اللبنانيون لا يطيعون أمراء طوائفهم فحسب، بل يخدمونهم، حتى أصبح اللبناني لا يملك شيئاً، لا وطن ولا أرض ولا هوية ولا عائلة ولا تجارة. فقد قدّمها جميعها لأمير الطائفة، بل أن البعض قدم حياته لـ"الزعيم" عن طيب خاطر!
اللبنانيون اليوم يُسرقون، يُنهبون، يُسلبون، يُعذَّبون، لا من قِبل غزاة من خارج الوطن، بل إنهم يعانون كل ذلك من أمير الطائفة، لا هو ستالين ولا هتلر ولا ماوتسي تونغ، بل هو رجل عادي أو أقل، اختاروه هم بأنفسهم، وهم بكامل قواهم العقلية، بل إن منهم من ورث إمارة الطائفة عن أبيه، وإن لم يكن ورثها، فهو على عتبة أن يقدمها لابنه مع الإرث، والأخير لا عهد له بالسياسة وبالكاد يعرف أن يتكلم أو يقرأ العربية، وأشك أن يقدر على قيادة الرجال!
بالعودة إلى الشعب اللبناني، الذي نصَّبهم طغاة، ووافق على أن يستَرِّق نفسه، ويأخذ دور العبيد، والذي رفض الحرية، بل إنه صادرها بنفسه وجعلها سلعة لا يقبلها في المجتمع اللبناني، فالحرّ هو ضال، ضال عن صراط الطائفة! يبدو أن علينا تذكير اللبناني أن الحرية هي أغلى من المال والجاه، وأن الحيوانات رفضت كل شيء مقابل أن نأخذ حريتها. فهل وافق العصفور يوماً أن يبقى في القفص، رغم أن الحَبّ والماء يُقدّمان له دون مشقة وعناء البحث عنهما! صدقاً لو أن الحيوانات أرادت أن تخطب بالشعب لقالت: الحرية أولاً.
لا أدري إذا كان من باب المبالغة أن أستشهد بالحيوانات من أكبرها الى أصغرها إذا ما تم اقتناصها، فهل سترضخ لصائدها؟ أو تبدي مقاومة شرسة تستخدم فيها المخالب والقرون، لتعطينا درس عن عظيم تقديرها للحرية. لا أدري إذا كان عيباً أن أشبه الشعب اللبناني ببني إسرائيل الذي أضلّهم السامري؛ الأفضل أن أكتفي بالأمثلة.
الشعب اللبناني هو الذي يسترقّ نفسه بنفسه. وإذ لما كان يملك الخيار بين أن يكون عبداً أو يكون حراً، تخلى عن حريته ووضع القيد في عنقه، وفرض على نفسه خيار الرق. كان بإمكان اللبناني أن يزيح الطغاة أمراء الطوائف عن العروش، من دون قتال وضرب وحروب، بل بالكف عن الطاعة وخدمتهم وقبول التجديد لهم، يصبحوا جميعهم مكشوفين، عراة، أذلاء ومهزومين.
الشعب نفسه الطاغية الأكبر، لأنه مكّن للطغاة، وجعلهم دائمين سالمين، لا يخشون انقلابا أو تغييراً، يلتف حوله المصفقون دائماً، يصرخون "بالروح وبالدم نفديك يا زعيم"
رويترز
الشعب اللبناني اليوم نسي معنى الحرية حتى اعتاد العيش من دونها، فهو لن يستطع العيش دون أميره "بَيْ الطائفة"، فهو حامي العرين من أعدائهم، رغم أنه و"أعداء" الطائفة في المأدبة نفسها يتقاسمون كل شيء ويتسامرون ويضحكون ويشربون... ويسرقون! يستيقظ اللبناني عبداً، يمتنع عن استعادة حريته ويُقبِل على خدمة أميره بكل حرية وتلقائية، ويصبح يُبرر ويقدم الحجج ويقنع غيره أنه "لم يخسر حريته بل ربح عبوديته"، وأن طعم سم العبودية حلواً!
الأب اللبناني يُعلِّم أولاده على طاعة أمير الطائفة، وكما يرث الطاغية الحكم من أبيه الطاغية، يرث اللبناني طاعة أمير الطائفة من أبيه أيضاً، دون أن يفكر أو يسأل عن حريته! اللبنانيون أصبحوا يولدون مستعبَدين وينشؤون على ذلك. لا أدري إذا من قلة الأخلاق أن أصفهم بالجبناء برضوخهم للطغاة!
هو الشعب نفسه الطاغية الأكبر، لأنه مكّن للطغاة، وجعلهم دائمين سالمين، لا يخشون انقلابا أو تغييراً، يلتف حوله المصفقون دائماً، يصرخون "بالروح وبالدم نفديك يا زعيم". هؤلاء الذين يتملكهم طموح جامح وجشع شديد لكي ينالوا نصيباً من الغنيمة ويصبحوا طغاةً في ظل الطاغية الكبير. وبذلك يفرضوا على كل من ضلّ عن صراط الطائفة وبقي حراً أن يُستعبد هو الآخر، وربما يصل به الحال أن يصبح مثلهم، بعد أن يجد نفسه معزولاً.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة