الفيل قدر الضعفاء
كتب بواسطة كفاح أبو هنود
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
1687 مشاهدة
الزَّمان : عامُ الفيل
المَكان : أمُّ القُرى
الحدَث : ميلادُ أُمّة
يكادُ عبد المطلب لا يُثبت على عصاه ؛ وهو يَعبر الباب .. ليرى مُحمدﷺ ..
كان الوَقت بُعيد غسَق الدُجى .. حين رأى ألفَ سَوسَنة ؛ تهتزّ بالضّوء ..
حين رأى ؛ البدر مُلقى في حُضن آمنة !
كان الفَجر حينها ؛ يَعبُر بلهفة إلى مَخدع آمنة ، ويَمسح بأصابعه عن جَبينها عَرق المَخاض !
يقفُ عبد المطلب مَشدوها .. تائهاً في مُحمد ﷺ.. فقد كان مثل بُؤرة النور ، وفي مُقلتيه مدائن من نَعيم !
يَضمه ؛ فيَشمّ حبق المدينة .. يبتسمُ الطفل ؛ فَيرتق ليل الحزن في قلب جَدِّه ..
ويكاد عبد المطلب ؛ يذوق زَمزم في عرق الوليد !
كان جبينهُ يقطر ؛ كأنّه ندى الغيم اجتمع كيْ يسقي مكّة ..
يُزهر الشَفق فجأة ، وتنبتُ أول خطوة بعدَ زمن الفيل !
تنتبهُ آمنة على صَوته ..
كان صوته ؛ هديلاً يوقظ الظّباء في روحها !
تتدافعُ النُسوة على الوليد ويتَهامسن : " كأنّه يمامة من الجنة " !
تبخر إحداهن المكان بمسكٍ عربي أصيل .. وتشعلُ الحطب ، وتُزغرد النُسوة للوليد ..
تشمّ آمنة عطراً ملائكياً ؛ كأنّه رُوحٌ ورَيحان ..
تُلملم روحها وتُرمِّم داخلها !
تقتربُ منه وتُناجيه ؛ مثل نايٍ فقد صاحبه ، وبَقي فيه موّال حزن طويل ..
يستيقظُ فيها بكاء هادىء..
يا لليلة ..
كيف تَزدحم بالشَوق لعبد الله .. وكيف يَهطل الليل عليها وحشَةً وغياباً .. وحيدة ..
ومثل غزالة تبكي !
كانَت آمنة تضعُ مولودها في صبح مُلتبس بدُموعها .. تشتهي لو أنَّ الغياب يأذَن لعبد الله بالوُقوف على الباب !
تشدّ مُحمدﷺ إلى صَدرها ، وتُريق له الحزن حليباً ..
يُناغيها ؛ فتلتفتُ إليه .. فتحسّ بأنَّ عُمْراً ثانٍ يتنفسُ فيها !
يلمَسُ وجهها ؛ فتمتلىُء طمأنينة .. تلتفتُ للنور في وجه الرضيع ؛ فتراه لؤلؤا منثوراً في بَطحاء مكَّة ..
تراه يحرث الأرض حقولاً .. وفي يده كتاب مَن يقرأهُ ؛ لا يتَلعثم !
أكانَ خيالها يُواسيها ؟!
أم أنّ روحها أُفتتنت بهذا الضِياء المكتمل ؟!
كان ذلك ميلادُ مُحمد ﷺ..
ميلاد سُنبلة ؛ في كلّ حبة منها مائةَ سُنبلة ..
وفي كل سُنبلة ؛ كونٌ لا يتنَاهى من تسَبيح سيبقى إلى قيامِ الساعة !
كان ذلك ميلادُ زمن عذب المَعاني .. زمنُ سورة النَصر ، والقَدر ، والحَديد ، والمُلك والفرقان .. بعد أن ولّت الأعراب ظُهورها للبيت وقالت :
للبيَت ربٌّ يحميه !
كان ذلك ميلادُ دلاء الرُوح ؛ تغرف من القُرآن الهُدى زَمزماً !
ينسابُ النور في العِراق ، وفي الشَّام ؛ جيوشاً توقظ الرَافدين !
كان ذلك زمن ميلادُ المرأة ؛ بعد أن كانت عاريةً من الأمَل ، وواثقة من الموت .. فإمّا الوأدُ أو التَهميش ؛ أو عَيش عابر !
كان ذلك ميلاد الكَعبة ؛ فقد تأخّرت مواعيد النَهار ، واشتاقَ المطاف لخُطى الأنبياء !
كانت الكَعبة وحيدة ؛ً يحتسي القوم حَولها قوارير الظَلام خمراً يغترفون الفرَاغ .. يتسَامرون عند الأصنام .. ولُغة الهبوط إلى الأُمنيات الصَغيرة .. تُكتب قصائداً وشِعراً ؛ ثمّ تُعلَّق على أستار الكعبة !
لم يكن العرب أكثر من جَمرٍ مُنطفىء في ليلة باردة ؛ لا وزن لهم في تَاريخ الحَضارات ..
كانوا زَوبعة من القلَق التّافه .. زَوبعة حولَ ناقة ..
أو امرأة أو جاه ..
كانوا مثل دُخان باهت !
كانت أمّ القرى ؛ تحتاج ميلاد نبي الله .. حتَى لا تنحدر وراءَ الأفق .. وينبُت فيها الضِياء !
كانت الأرواح ؛ تحتاجُ ميلاد النبي ﷺ .. كي تَعشب الأُمنيات بصلاته .. { صَلِّ عليهم إنّ صَلاتك سكنٌ لهم } !
كانت القَناديل بلا زيتٍ .. والليل في امتداد .. وجِراح الجاهلية تنزف أذى ..
وكانت الأوجاع ؛ تنتظرُ مَولد الرحمة !
تنتظرُ بَسمتك التي لا تَغيب !
تنتظر انتصارك للضُعفاء !
تنتظركَ في الخَمسين .. وفي الستين .. تعلّمنا :
( أن لا شحوب في الأَعمار ) !
تنتظرك الجبال ..
كيْ تمشي في مَناكبها ناثراً قمحَ الهداية !
تنتظرُك المَشارق والمَغارب في مواعيد الصَلاة .. فقد صارت كلّ الأرض مسجداً !
وتنتظرُك نحن اليوم ..
ننتظرُ دمعة دُعائك لنا في السُجود .. ونحتاج أنْ نكون نحن سُؤلك وسُؤالك ؛ إذا سَجدْتَ على عتَبات العَرش في المقام المحمود !
نحتاجُ أسماءنا مِلء فَمك في طلب الشفاعة ؛ كيْ تُقفل عنَا أبواب الجَحيم !
يا فَرطنا على الحَوض !
ويا مُنتهى الشَوق !
ننتظرُ يدكَ فيها أباريق الكَوثر ؛ تغسِل عنَا دمُوع المَحشر ..
نتعثّر بخطايانا ؛ تتساقطُ الصُحف على ظُهورنا أوزاراً ..
نمشي الهُوَينا ..
نكادُ نتلاشى !
فيا وجَع الخُطى بدون شَفاعتك يوم القيامة !
ويا انفراط الرُوح في هَول الحشر دون ظِلالك !
ويا شَهقة الصَحائف ؛ إذ تنشر وانتَ ليس لها شَفيع !
ويا خِفّة الموازين دون هَدْيِك واتِّباعك !
أنتَ مفتاح العبور ..
و كَفِّي إنْ لم تَمدّ لها يدا فأُمّها هاوية !
تضجّ الأنبياء :
نَفْسي نَفْسي !
ونحنُ نَفسك يا حبَيب الله ؛ إذ تقول :
أُمّتي أُمّتي !
والأُمم تبقى دُونك على رُكَبها جاثية !
ننتظركُ في حَرائق الشَام ..
وأحزان العِراق .. ووجع اليَمن .. ننتظركُ في قُيود الأقصى .. ننتظركُ في فَوضى الرُؤى .. وتبَعثُر القُبور من حولنا ..
ننتظركَ ميلاداً لنا !
ننتظركَ هُنا ..
لأنّا نعلم أنَ البدايات تضيء النِهايات ..
وأنَ مَن يجتمع بهديك وسُنَتك هُنا ؛ يجتمعُ بك على رَحيق الكَوثر !
قد عادت يارسول الله ضفافنا مُجدبة ..
وكل خطواتنا فارغة من صَدى خطواتك ..
صفحةُ تاريخنا اليوم ليس فيها تاريخ ميلادك ..
تاريخٌ تغيّر فيه الزمن من عام الفيل ؛ إلى عام الفَتح ..
ومن الهُروب الى الجبال خوفاً إلى المعراج في السَماوات علوّا !
أكان صُدفة .. أن تولَد في عام الفيل !!
أكان صُدفة ؟!
أم كان ميلادك معنى :
أنّ الفيل قدَر الضُعفاء !
وأنَ جُند مُحمدﷺ سيفيضون في الأرض شُهبا .. سيفيضونُ طيراً للحقِّ أبابيل !
وما بين عام الفيل ؛ وبينَ أن نكون قدَر الله في الأرض .. أنْ يولَد في عُمرك نبيّك ..
أن يولَد فيكَ محُمّد !
أن يظل حياً في أيامك .. في بيتك .. في اتباعه في التفاصيل !
ميلاد محمد ..
ليس حكاية تحكى .. بل هو ميثاق التغيير !
المصدر : صفحة الدكتورة كفاح أبو هنود
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة