لبنان على رمال متحركة!
على الرغم من الأجواء السياسية الملتبسة والغموض الذي يلف المشهد السياسي في لبنان، إلا أنّ تكليف الدكتور حسان دياب كرئيس للحكومة المقبلة، يوحي بأنّ السياسة اللبنانية تدور رحاها هذه الأيام على رمال متحرّكة، ويبدو أنّ المشهد السياسي فيه سيكون مفتوحاً على احتمالات متعددة، قد تعمّق الفراغ السياسي الذي يتوقع أن يمتد لفترة ليست بالقصيرة، إذا ما استمر الصراع بين الأطراف اللبنانية على ما هو عليه، في ظل عدم استيعابهم لفداحة المرحلة التي يمر بها لبنان، والذي على ما يبدو أنهم مازالوا غارقين في خلافات متنامية على شكل الحكومة ومهامها، وعلى حصصهم فيها غير مكترثين بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المتفاقمة التي يعانيها الشارع المنتفض والمصر على مطالبه التي يتقدمها حالياً تشكيل حكومة "الأيدي النظيفة" من أهل الاختصاص والسمعة الحسنة بعيداً عن الولاءات الحزبية والتقسيمات الطائفية.
في ظل هذا الواقع السياسي الذي ينبأ كما أسلفت على أنّ الفراغ السياسي في لبنان قد يمتد لفترة ليست بالقصيرة، تبدو الأوضاع اليومية اللبنانية ذاهبة باتجاه أسوأ في ظل الكثير من المتغيرات التي طرأت على الساحة اللبنانية الداخلية وفي مقدمتها الأزمة المالية المتفاقمة التي تعد من أسوأ الأزمات المالية التي مرّت على لبنان منذ الحرب الأهلية اللبنانية، إلى جانب تراجع كبير في مستوى إنتاجية مؤسسات القطاع الخاص، لاسيما منها قطاعات السياحة والتجارة والصناعة، وارتفاع كبير في عجز ميزان المدفوعات وصل لأكثر من 5.5 مليار دولار، وتعاظم عجز الميزان التجاري الذي وصل عام 2019 لأكثر من 16 مليار دولار، إلى جانب ما يعيشه اللبنانيون من أوضاع مقلقة في ظل شح السيولة بالدولار، وإذلال الناس على أبواب المصارف والمشافي، وعدم قدرة الناس على شراء الوقود والأدوية ودفع أقساط المدارس والجامعات، إلى جانب حالات الانتحار التي تكررت أكثر من مرة في ظل البطالة وتسريح الموظفين وسوء الأوضاع المعيشية.
المرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد تتطلّب خطوات جريئة، وإرادة جدية على الإقدام ليس سياسياً فقط، بل اقتصادياً ومالياً، وذلك من خلال حكومة استثنائية، قد تكون حكومة اختصاصيين مستقلين لفترة معينة
كل ذلك لا يشي بأنّ لبنان على عتبة مرحلة انفراج إيجابية جديدة، فالتقديرات حول المرحلة المقبلة غير متفائلة في ظل سلطة سياسية متشبثة وعنيدة، وشارع منتفض لن يسكت حتى يحقق مطالبه، إلى جانب ترافق كل ذلك مع وضع اقتصادي ومالي يزداد سوءاً قد يؤدي إلى الانهيار في حال استمرت الأمور على ما هي عليه لفترات طويلة، على اعتبار أنّ لبنان دولة لا تمتلك من الصناعات التصديرية، ولا تمتلك من الموارد المالية المتدفقة بانتظام، بل كل ما يملكه علاقاته بالدول المجاورة والدول الصديقة التي ساهمت تاريخياً بدعم اقتصاده من خلال المنح والقروض والمساعدات والمعونات، التي توقفت خلال الفترة الماضية.
وبالتالي فإن دخول لبنان في مرحلة فراغ السلطة وفي حال استمراره لفترة طويلة، سيعرض المجتمع اللبناني إلى فوضى عارمة قد يصعب السيطرة عليها، وقد تتحول إلى نزاعات قد تلبس لبوس الطائفية والمذهبية في حال قررت بعض القوى السياسية والحزبية إنزال أنصارها إلى الشوارع رداً على الشارع المنتفض ضد الأحزاب والطبقة السياسية اللبنانية التي أصبحت مستهلكة وفاقدة للمصداقية. لذا فإن الوضع الاقتصادي والأمني لم يعد يحتمل كل هذا الغموض السياسي في لبنان، فكل يوم يمر من دون حكومة يعني الانحدار أكثر نحو الهاوية، وبلوغ مرحلة اللا عودة.
فالمرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد تتطلّب خطوات جريئة، وإرادة جدية على الإقدام ليس سياسياً فقط، بل اقتصادياً ومالياً، وذلك من خلال حكومة استثنائية، قد تكون حكومة اختصاصيين مستقلين لفترة معينة وليست أبدية، وعدم الذهاب إلى هذه الحكومة، يعني سقوط السقف اللبناني على الجميع، والذي لم تعد المسافة التي تفصله عن السقوط، تقاس بالأشهر، لا بل بالأسابيع وبالأيام، لذلك لابدّ من العمل الفوري على تشكيل هذه الحكومة، التي لا تشكّل استهدافاً لأي فريق سياسي أو لأي طائفة، وإنما تأتي لإنهاء حالة الفراغ السياسي، والخروج من النفق الحالي، ووضع حد فاصل لإيقاف الانحدار المستمر منذ فترة، ومن ثم تحقيق النهوض الاقتصادي المنشود في فترة زمنية مقبولة. فالحل في هذه المرحلة ما زال غير مستحيلاً، وما زالت الفرصة موجودة والمعالجة ممكنة.
المصدر : مدونة الجزيرة
الكلمات الدالة : الثورة اللبنانية الحراك اللبناني لبنان ينتفض الوضع الاقتصادي العامل الاقتصادي الوضع الاقتصادي
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة