مواقفنا بين الحقد الناقم والتبرير الدائم والنقد اللازم
الحركة الإسلامية ما هي إلا تجمع بشري يهدف إلى بناء مشروع حضاري مرجعيته الشريعة الإسلامية بقرآنها وسنتتها.
وبما أنهم تجمع بشري، إذاً يسري عليهم ما يسري على البشر جميعا من الخطأ والنسيان.
وهناك قاعدتان مهمتان لا يجب أن ننساهما في التعامل مع قادة الحركة الإسلامية، وهما (كلُ بني آدم خطاء) و (كلٌ يؤخذ منه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم).
و في تقييم مواقف الحركة الإسلامية وقادتها نجد أنفسنا أمام طرفين متطرفين، في حين أننا نحتاج فيه إلى الوسطية والاعتدال، كما نحتاج لهما في كل رأي ورؤية .
فأما الطرفان المتطرفان، فطرفٌ حاقدٌ كاره، يكره المشروع الإسلامي برمته، ويحقد على حركته ومواقفها، وهو رافض لكل ما يكون منها، إلى حد أن يمدح الموقف لغيرها فإذا كان منها فيما بعد ذمه، ويذم الموقف لها فإذا كان من غيرها فيما بعد مدحه.
وكما يقول العوام في مثلهم العامي (مرآة الحب عمياء)، نجد أن (مرآة الكره عمياء) كذلك.
فالحب الشديد يجعل المحب يبرر لمحبوبه كل ما يفعله، ويجد له المسوغات والأسباب المقبولة، إلى حد أن يقلب الباطل حقاً. وكذلك الكره الشديد يجعل الكاره يرفض كل ما يكون من مكروهه، ويجد له التأويل الذي يجعل كل ما يأتيه باطلاً حتى وإن كان حقاً.
وهؤلاء الحاقدون الكارهون غير المنصفين، هم أدل الدلائل على صوابية الحركة الإسلامية وقادتها منهجاً وحركة، لأن أدل الدلائل على أحقية الحق أن يهاجمه الباطل، وقديما قال الشاعر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
ولا ننسى أن جزءاً من هؤلاء الكارهين الحاقدين هم من أبناء التوجه الإسلامي ذاته، غير أنهم ينتمون لفريق من الإسلاميين، يجعل أهم أولوياته الهجوم على الحركة الإسلامية المنظمة، الهجوم الذي يصل أولا إلى التبديع والتفسيق، وجعلها وأبناءها خوارج العصر، ويصل ثانيا إلى تأويل كل موقف وتوجه فرعي كي يصب في التأكيد على الحيد والزيغ والنقص.
هؤلاء الحاقدون الكارهون غير المنصفين، هم أدل الدلائل على صوابية الحركة الإسلامية وقادتها منهجاً وحركة، لأن أدل الدلائل على أحقية الحق أن يهاجمه الباطل
يقف في مقابل كل هؤلاء فريق من أبناء الحركة وأنصارها، يدافعون عن كل ما يأتي منها، سواء كان توجهات واستراتيجيات، أو مواقف وتحركات، أو وسائل وأدوات. وهؤلاء مثل سابقيهم، يتحكم فيهم الحب والولاء إلى درجة العمى عن كل ما يشوه الصورة، حتى وإن كان ظاهراً بائناً.
وعدم الإنصاف من هؤلاء لا يقل عن عدم الإنصاف من أولئك، وكلهم تتحكم فيهم الخلفيات في الحكم، مع أن الإنصاف يستدعي أن يكون الحكم مجرداً، يحكم فيه الواحد على الموقف كموقف، بعيداً عن صاحب الموقف وخلفيته وموقفه منه.
يصل الحال ببعض من هؤلاء إلى الجزم بأن قادة الحركة الإسلامية لن يحيدوا أبدا عن غايتهم ومنطلقاتهم. وهذا الطرح مقبول إذا كان الغرض منه التأكيد به أساساً على قادة الحركة أنفسهم، حتى لا يكون منهم غير ذلك. أما أن يعيش أفراد الحركة وأنصارها في وهم أن قادتهم لن يحيدوا يوماً، فهذا ما فيه الهلكة والفناء. فقادة الحركة بشر -كما ذكرنا آنفا- يخطئون ويصيبون.
كما أنهم بشر أحياء، وتسري عليهم قاعدة ثالثة إلى جانب القاعدتين السالف ذكرهما في بداية المقال، وهذه القاعدة تقول: (الحي لا تُؤمن عليه الفتنة). وبالتالي، فإنه ليس مستبعدا، أن يكون القائد مخلصا متجردا بصيرا، ثم يأتيه الزيغ والحيد، إما لعلة تأتيه في إخلاصه وتجرده، أو لعلة تأتيه في رؤيته وبصيرته.
ليس مستبعدا، أن يكون القائد مخلصا متجردا بصيرا، ثم يأتيه الزيغ والحيد، إما لعلة تأتيه في إخلاصه وتجرده، أو لعلة تأتيه في رؤيته وبصيرته
أما الفريق الثالث، فهو فريق الاعتدال والإنصاف. وكما قال الذهبي (الإنصاف عزيز). فالمنصفون عزيزون قليلون نادرون.
الذين لا يمنعهم كونهم ليسوا من أبناء الحركة الإسلامية ولا من مناصريها من إنصافها إن هي أصابت، وتحيّتها وإجلالها قليلون نادرون.
والذين لا يمنعهم كونهم من أبناء الحركة الإسلامية ومن مناصريها من نقدها وتوجيهها إن هي أخطأت أو حادت قليلون نادرون.
إن أكثر ما تحتاجه الحركة الإسلامية أن يوجهها الموجهون ويصحح لها المصححون وينقدها الناقدون حتى لا ينقضها الناقضون . تحتاج الحركة الإسلامية إلى النقد البنّاء من أبنائها ومناصريها حتى لا يطالها النقض الهدام من أعدائها وحاقديها وشانئيها.
وإني لأظن أن التبرير الدائم لمواقف الحركة ولقادتها من أبنائها ومناصريها أشد عليها وأخطر من الهجوم الدائم من أعدائها وحاقديها.
وإن الذي يفتح الباب للقادة لكي يغرقوا بحركتهم في الفتنة وغياهبها أولئك الذين يرونهم يطرقون أبوابها فيقولون (إنهم يطرقون أبوابها لكي يتيقنوا من إحكام إغلاقها)، فإذا فُتحت أبوابُها ودخلوا يقولون (لقد دخلوها كي يعلموها ويخبروها، ثم ليغلقوا عليها أبوابها كأحكم ما يكون الإغلاق)، فإذا ما تاهوا في غياهبها يقولون (في النار ولا يحترقون)، فإذا ما احترقوا يقولون (ضحّوا بأنفسهم من أجل غايتهم وحركتهم)، فإذا ما طالت النار الحركة كلها من ورائهم يقولون (على العهد ثابتون، هم السابقون ونحن اللاحقون). وهم حينها واهمون مغيّبون، يُضيّعون حركتهم ومشروعهم، لأنهم لم يأخذوا على أيدي قادتهم حين خرقوا السفينة، وظنوا أنهم يخرقونها لأجل أن حمايتها من يد الغاصب إن هو رآها معطوبة.
قادة الحركة الإسلامية هم أشراف هذه الأمة، الذين ورثوا ميراث النبوة من العلم والعمل والجهاد، وإذا فتح الله لهذه الأمة فلن يكون الفتح إلا على أيديهم وأمثالهم. لكنهم في النهاية بشر، والبشر يصيبون ويخطئون، و ليس أضر عليهم من أن لا يقال لهم أحسنتم إن أحسنوا، إلا أن لا يقال لهم أخطأتم إن أخطأوا .
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة