وفاءً لجميل...
جمعيةُ الاتحاد الإسلامي تَرْثي واحداً من مؤسِّسيها
المهندس جميل نخّال رحمه الله تعالى
ما أكثرَ الناسَ الذين يتوفاهم الموتُ، فتنقطع أعمالهم بغيابهم عن الدنيا، ويصبحون مع الأيام خبراً من الأخبار!.
وما أقلَّ الذين يموتون ثم يتعلّقون بعد موتهم بحبلٍ من أعمالهم الصالحة التي تركوها وراءهم، فنفذت آثارها إلى عالمهم البرزخي ثواباً جزيلاً!.
ومن تلك الأعمال ما أنبأ به مَن لا ينطق عن الهوى إن هوَ إلا وحيٌ يُوحى؛ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «إذا ماتَ الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلاّ من ثلاثةٍ: إلّا من صدقةٍ جارية، أو عِلمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له» صحيح مسلم.
ولعلنا في ذكريات رجلٍ من أولئك الناس الذين تركوا خلفهم ما سيجدون نعيمَه بين أيديهم بكَرَم الله ورحمته، ولا نزكّي على الله أحداً.
مهندسُ اتصالات مَهيب الطلّة، ذو قامة طويلة ولِحية كَثّة، عُرف بدماثة الخُلُق ولُطف المَعشر وجمال الحديث كاسمِهِ (جميل)، تبوّأ عدّة مهام منذ تأسيس جمعية الاتحاد الإسلامي، أهمها :
• الإشراف على مؤسسات الجمعية وتطوير أنظمة برامجها، خاصةً أنّه مهندس اتصالات.
• العمل في قسم العلاقات العامّة بما يملكه من حدّةٍ في الذكاء وعمقٍ في التفكير.
• حصلت الجمعية على امتيازٍ لمجلة "منبر الداعيات" قديماً ثم "مجلة إشراقات" حديثاً بِاسمه، ولعل له بعد موته ثواب كل حرف كُتبَ فيها.
• أشرفَ على لجنة الدعوة والتعليم الشرعي عند تأسيسها.
ورغم كثرة البلاء وشدّة الأمراض التي لازمته سنين طويلة فإنها لم تكن لتحجزه عن إنجاز التزاماته الدعوية، وعن حضور مواعيده بعد دوام عمله الوظيفي الثقيل.
كان رحمه الله مُتزناً يعرف قَدْر نفسه، كما قالت العرب: (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه)، لا يجمع الأحلام أوهاماً فيكدِّسها، ثم يلاقيه الموت ولم يحقق منها شيئاً!
يُذكَر أنه سُرَّ بكتاب (مسند الإمام أحمد بن حنبل) رحمه الله، الذي حققه وعلّق عليه الشيخ شعيب الأرناؤوط وفريقه رحمهم الله، وقد بلغ الكتابُ ٥٢ مجلداً مع الفهارس، لكنه كان يصدرُ يومها مجلداً تلو الآخر، وكان الأخ جميل حفيّاً بأن يتابع الإصدار ويقتني المجلد الجديد، ثم عرف من نفسه أنّ وقته ومجاله لا يسعفانه ليقطف الكثير من ثمار هذا الكتاب، وأنّه وإن كان درس الشريعة لكنه لم يكن مختصّاً بالحديث، فرأى أن يهدي الكتاب وكلَّ مجلدٍ يصدر منه إلى طالب عِلم نجيب هو أهلٌ لذلك الاختصاص، من قبيل المشاركة في العمل الصالح، سائلاً الله تعالى أن يناله أجرَ منفعته.
كان مضيافاً كريمَ النفس، تُسنده في كرمه والدةٌ عظيمة، يعقد مجالس العلم الشرعي في منزله، من مثل شرح كتاب: "الموطّأ" للإمام مالك رحمه الله بشرح رئيس الجمعية فضيلة الشيخ حسن قاطرجي.
ذكر أخوه المحب الشيخ يحيى الداعوق قصةً لطيفة أكسبته لقباً طريفاً هو: (أُحُد)، موجزها أنَّ شاباً كان من فريق لجنة الدعوة يعمل تحت إشرافه، فذهب مرةً في مهمة لينجزها، وعندما وصل إلى مكان المهمة أراد أن يعرّف عن مهمته وعن اسم مُشرِفه الذي أرسله فنَسيَه، فقال أرسلني: (أُحُد)! فكان هذا لقباً له رحمه الله.
قال عنه رئيس جمعية الاتحاد الإسلامي الشيخ حسن قاطرجي : لقد وهبه الله نظرةً ثاقبة في استشراف المستقبل، وتلافي الأزمات أو قيادتها، استفادت منها الجمعية، وربما استغرب إخوانه بعض آرائه إلى حدّ الاستهجان، لكنهم غَيرَ مرة اكتشفوا بعد مرور الوقت حكمتَه وأهمية أفكاره "الجهبوزية" كما كان يسميها!.
وصفه الشيخ يوسف القادري بالرجل الحاذق، الذي ينتقي من الخيارات أسماها، ويسعى لإتقان عمله على أتمّ وجه، وهو الناصح المثقف الذي يقرأ ما وراء الشعارات الطنّانة والنظريات المستوردة في مختلف شؤون الحياة، فيسارع في تحليل محتواها وكَشْف مستورها بطريقة هادئة متّزنة، ثم يعقّب بالنصيحة.
لقد مات الرجل رحمات الله عليه، وترك وَلَدَه أحمد المأمول أن يكون امتداداً لإبداعاته واستمراراً لعمله وثوابه بإذن الله، كما ترك صحائف دوّنها الكاتبون، فيها ما نعرفه وما نعزّي أنفسنا به من أعمالٍ؛ نسأل الله تعالى أن يلقى بها ربَّه وقد قُبلت، وضُوعفت حسناتها، فيكون يوم ١٦ ربيع الآخر ١٤٤١هـ الذي أسدل ستاره على ٥٨ سنة مرّت من حياته هو اليوم الذي ودّع فيه أتعاب الدنيا واستقبل طريق النجاة _ كما نرجو من الرحيم الرحمن والكريم المنّان _ الموصل إلى جَنَّة عرضها السماوات والأرض.
اللهم شآبيبَ رحمتك نَزِّلْ، وبعفوك قبرَه نَوِّرْ، واجمعه وإيانا على حوض الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلامه، نشرب منه فلا نَظمأ أبداً..
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة