كاتبة
البناء المفاهيمي لدى الشباب وخطورته على مستقبل الأمة
إن الشباب هم أمل أية أمة، وهم مستقبلها الواعد، بصلاحهم تضمن الأمة بقاءها في عالم لا يعترف بالضعفاء على كل المستويات الثقافية والعلمية والصحية والاقتصادية، وفي الوقت الذي تعاني فيه الأمة العربية من حالة تخلف حضاري منذ عهد الاستعمار الأوروبي لبلادنا -والذي حرص على تزييف حقائق التاريخ، وتزييف الواقع وحقائق الدين لينشأ جيل فاقد الهوية، لا أمل له في حاضر ولا مستقبل- ومنذ خروج الاستعمار والأمة تحاول النهوض من تلك الكبوة بالعودة إلى الهوية الأصيلة لها خاصة في ظل ذلك الانفجار المعلوماتي من خلال الإعلام الجديد والذي غزا معظم البيوت عبر الحركة الإسلامية المباركة، بعدما أصبح متاحاً لمعظم الشباب عبر صفحات التواصل الاجتماعي والتي أصبحت بديلاً تربوياً وثقافياً عن الأسرة والمدرسة والمجتمع، فمن الصعب أن تجد طالباً جامعياً ليس له حساب وأكثر على تلك الصفحات والمواقع، يستقي منها كل احتياجاته المعرفية، وكافة علاقاته الاجتماعية.
ولأن الشباب هم عماد أية أمة ومستقبلها القريب، فقد أصبح من الضروري الرقابة الحازمة والحاسمة والمشددة للأسرة والمؤسسات الرسمية والمعنية على كل ما يطلع عليه الشباب من خلال تلك الصفحات، وخاصة كل ما يتعلق بالمفاهيم الدينية التي تبث على مدار الساعة دون مراجعة أو رقيب.
الصفحات الدينية على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام البديل
لقد انتشرت في السنوات الأخيرة موجة ما يعرف بالدعاة الجدد بانتقالهم من برامج الفضائيات، لإنشائهم مواقع ضخمة على شبكة الإنترنت، وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي ومنها تويتر وفيس بوك يتابعها الملايين من الشباب، ويتأثرون سلباً وإيجاباً بكل المواد التي تقدم على تلك المواقع والصفحات، يل ويبنون مفاهيمهم ويكتسبون قيمهم من خلال المادة المقدمة، ومنذ ذلك الوقت نشأ جيل لا يعرف عن دينه إلا ما يقدم له من خلالها، ولا يفقه عن هويته وثقافته إلا ما اكتسبه منها.
إن العقيدة الصحيحة هي الدافع الأول للإنسان لكل فعل إيجابي، بل نجد أن لها مفعول السحر في النفوس التي تعتنقها، فكذلك وبنفس الحجم تتمثل خطورة تزييف الحقائق المتعلقة بالدين؛ فالعقيدة هي الموجه الأساسي للإنسان، إما أن تدفعه للاستقامة وكل فعل إيجابي، أو تردي به في كل هاوية ، ولذلك يجب انتباه كافة الأطراف المعنية بتلك الإشكالية، والعمل على إصلاحها وتجديدها باعتبارها كفيلة بتحديد الوجهة الاجتماعية في إطارها الصغير على مستوى الفرد والأسرة، وفي إطارها العام على مستوى القطر والعالم، وبالعقيدة تتحدد عناصر الإيمان والسلوك الشخصي والعام، توجه سلوكه منعاً ودفعاً، بها يكف عن فعل كل ما يضر بنفسه ومجتمعه، وبها يتحكم في إرادته لتصير وفق كل ما يهدف للبناء، وبناءً على تلك القاعدة فقد وجب على الدعاة -عبر مواقعهم التربوية والمؤسسات الإعلامية التابعة للحركة الإسلامية- أن يحرصوا على متابعة كل ما يقدم للشباب في هذا الباب خاصة كل ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي التي تعد الوجهة الأولى للشباب في المعرفة، خاصة أن تلك المرحلة العمرية تتسم بتقلبات نفسية كبيرة، وتتسم كذلك بطباع التمرد والاعتماد على الذات؛ كنوع من الشعور بالاستقلالية، ورفض كل ما يفرضه أولياء الأمور ومحاولة اكتشاف الحياة بكل فروعها دون الاعتماد على الغير.
وبالرغم من أن طبيعة تلك المرحلة تتميز بالاستجابة السريعة لكل ما هو غريب، مثل الدعوة للعنف على سبيل المثال؛ فهي تتوافق مع روح التمرد التي يمر بها إلا أنه بطيء الاستجابة والاستماع للأقربين كأولياء الأمور أو المعلمين، ومن هنا فقد وجبت العناية بشدة من مصادر مسؤولة تجاه عوامل الجذب التي تجمع الشباب ومنها تلك الصفحات المفتوحة.
لقد أصبحت صفحات التواصل الاجتماعي واقعاً لا يمكن الفرار من مواجهته أو تجاهل خطورته، واتخذت صفحات الدعاة الجدد مكانة في نفوس الشباب المنفتح على العالم برفضه لكل أنواع الرقابة، ومن ثم تحولت الحرية التي يتيحها ذلك الوضع لظهور دعوات لم تشهدها البلاد من قبل من المطالبة بحرية التمرد على القيم المجتمعية والدينية الثابتة، وكذلك رفض كل ما كان محرماً من قبل مثل الشذوذ والعنف والتخريب والانتحار، وهنا علينا أن نواجه عدة تساؤلات عن دور صفحات الدعاة الجدد في تشكيل المفاهيم الدينية لدى الشباب، هل هو دور إيجابي أم هو دور سلبي؟ هل يمكن توجيهه لمصلحة مستقبل الأمة؟ هل يمكن مراقبته ومن ثم متابعة المتابعين له وتصحيح سلوكياتهم وفقا لصحيح الشريعة الإسلامية؟ هل يمكن تصحيح المفاهيم المكتسبة من خلال تلك الصفحات؟
إن الهدف الأول للدين هو إعادة تشكيل مفاهيم الشباب عقائدياً وسلوكياً وفكرياً ليصيروا أفراداً نافعين لمجتمعاتهم وأمتهم، فهل يحصل ذلك بالفعل في ذلك العالم الافتراضي الذي أصبح واقعاً حتمياً؟
دور الأسرة والدعاة في مواجهة تلك الظاهرة
لقد أصبح جلياً خطورة مواقع التواصل الاجتماعي في السيطرة الكاملة على السلوك العام للشباب المسلم، بل وتكوين الرأي العام الجمعي بينهم ، ومن هنا يجب أن يتضاعف الجهد المبذول من الأسرة والمهتمين بالشأن الإسلامي عامة والدعاة الأكاديميين لمواجهة ظاهرة الاعتماد الكامل في استقاء المعلومات من تلك المواقع.
وعلى سبيل المثال إن أردنا أن نذكر مثالاً لتوضيح ما نرنو إليه، فبدراسة موقع (أحد الدعاة) نجد أن مشاهدة الفيديو الواحد تتخطى أربعة عشر ألف مشاهدة، مع العلم أن هذا المحتوى قد يحمل مغالطات وأخطاء عقدية وسلوكية فادحة، وعن رأيه في قضية واحدة وضع لها عنواناً جذاباً، بحيث فرّغ قضية العقيدة من مضمونها في سبيل الرضى بالآخر والتنازل عن ثوابت عقدية مثل عقيدة الولاء والبراء ليصور المسلم فيها بالإنسان الخانع المنفتح الذي يقبل الآخر على علاته، ليس على سبيل الإحسان الذي أمرنا به الدين في حالة السلام، وإنما من باب إثبات سلمية الدين وتفريغه تماماً من مفاهيم الجهاد والعزة والعلو!
ونجد أن هؤلاء الآلاف الذين ما زالوا يعتبرونه داعيتهم المفضل يستمعون إليه بانبهار وتبعية وتلقي مفاهيم تخالف صحيح العقيدة والشريعة، وهنا يبرز دور الأسرة والرقابة اليومية والدقيقة خاصة مع توقف رقابة المدارس وانحسار العلوم الدينية في المدارس ومراحل التعليم الأولى في جميع البلاد الإسلامية.
كذلك يجب أن تنتبه الحركة الإسلامية لتلك الجريمة التي تحدث ونحن في غفلة منها، لدرجة أن هؤلاء الشباب نسوا الكتب والمساجد واعتمدوا في المقام الأول -وربما الأخير- على تلقي ثقافاتهم وتشكيل مفاهيمهم مع العالم المفتوح بالساعات الطويلة كل يوم، إنها قضية قد تمثل بلاءً كبيراً وتحدياً عظيماً للأمة في الفترة المقبلة؛ لأن الصراع العالمي الدائر بين قضية الحق والباطل يأخذ منحىً خطيراً قد يدخل في طريق الجهاد الحتمي والدفاع عن الفكرة التي كادت تمحى من صدور أصحابها، ولن نجد أن هذا الجيل صالح لحمل الفكرة أو التحرك بها، فضلاً عن الجهاد من أجلها، فهي قضية مصيرية، قضية إعادة تربية جيل كجيل صلاح الدين، ليس لمنعه عن التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخر، وإنما ليكون قادراً على الاختيار والانتقاء والحكم على ما يصح وما لا يصح، ما يجوز وما لا يجوز، ما ينفعه وما يضره.
إن الأمة اليوم في حاجة لبناء مفاهيم جديدة، مبنية على الوعي المستقى من الإيمان الخالص، والعقيدة الخالصة التي تنزلت على نبي الأمة في بطن مكة بفجر الدعوة، والإسلام الذي سكن قلب بلال بن رباح ليهتف في بطحاء مكة تحت التعذيب أحد أحد، إسلام الرحمة والأخوة والعدل الذي تحميه القوة، ولن يكون ذلك بانشغال الأسرة وغياب الحركة الإسلامية في أتون الصراع الجانبي الذي يعطلها عن مهمتها الأساسية، مهمة بناء جيل التمكين.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة