الزوجان وإرهاصات الفراق
إن الحرص على بقاء القلوب عامرة بالحب والود والمحبة والألفة والتسامح والتغافل من أهم عوامل ثبات الحياة الزوجية والأسرية في عالم متغير على مدار الساعة، يتعرض فيه البيت المسلم لهزات ومطبات عنيفة؛ فما بين التآمر عليه والسعي لتفكيكه، وإزالة روابطه من الداخل عبر إعلام شديد العداء لكل ما هو إسلامي، وبين ترنح الحب بين الزوجين وتباعد مسافات القلوب، وتلك طامة لو تعلمون عظيمة.
ونحن اليوم -وانطلاقاً من الحرص- ندق أجراس الخطر وإنذارات القلق، ونحدد علامات وأموراً تدل على أن الميثاق الغليظ في خطر، وأن الانفصال بات قريباً، في سياق تناصحي حريص على المودة واستمرار البيت المسلم أن يقوم بدوره وفق منظومة الحب بين الزوجين، ونكتب من أجل أن يراجع كلا الطرفين أنفسهم مبكراً.
من أسباب اقتراب الانفصال بين الزوجين
1. الفتور العاطفي
وإن شئت فقل البعد وعدم الرغبة، أو الخرس العاطفي كبداية لهذا الفتور، وليس شرطاً أن يكون من الزوج، بل أحياناً من الزوجة، والمحصلة أن كلاهما يشترك في هذا الأمر ويجعله واقعاً؛ فالأول يقوم بالفعل، والثاني لا يبادر على إنهائه أو فتح نافذة، متعللاً بأشياء ليس من حسن الفهم، وكأن خراب القلوب والبيوت أمرٌ يسير؛ وعليه فالبدار البدار لوأد هذا الفتور بشيء من التجديد، وعلى كل طرف أن يتحمل مسؤوليته بشكل يجعل الوئام العاطفي أمراً لا مناص منه.
2. الانعزال
وهو الانطواء عن الآخر، فنجد الزوجة أو الزوج في غرفة منعزلة، لا رغبة له في الحديث والكلام مع الطرف الآخر، بل على العكس، رغبة في الخروج من البيت، وعدم فعل أي شيء للطرف الآخر، وهو ما نسميه "الرفض المطلق" وكأن كل طرف لا يرى الآخر، وتلك مرحلة غاية في الخطورة؛ لأنها تمس الوجدان الداخلي لهما، ثم يترجم الأمر بالتصرفات والأفعال والأقوال.
3. الصمت الشديد
إن المرء إذا أحب شخصاً يكثر معه الحديث، ويطيل معه الحوار، ولا يشعر بأي ضيق أو تعب، بل متعة وراحة بال، ولدي تجربة حقيقية أثناء سفري بين القاهرة والإسكندرية جلست بجوار شاب ظل يحدث خطيبته في الهاتف طوال الطريق منذ البداية حتى الوصول بلا ملل أو كلل، والقياس -وإن كان به نظر إلا أنه ترجمة حقيقية لحالة الشغف لسماع الطرف الثاني- أما في حالتنا هذه فالصمت يتبعه هروب من البيت أو تعلل بالذهاب لبيت العائلة، لكن إجمالاً هو إضافة سلبية تعجل بالانفصال التام؛ فهو إرهاصات الهدم المتوقع للبيت مع الأسف.
4. البخل المتعمد
وهذا الأمر خاص بالزوج، كونه المنفق أو من يدير البيت فينظر لتأليف الحياة نظرة أخرى بها شيء من الرفض وتضخيم الأمور، مصحوب بشيء من الاستعلاء، ويقيناً لو كانت الزوجة تعمل فإنها لن تمد يدها إليه من باب الكرامة وصيانة مشاعرها، وهذا وهم كم دمر من البيوت بسبب التركيز عليه وفرد المساحات فيه.
والبخل يتحول لمنع من القيام بواجب الإنفاق، وترجمة المنع أنه تهيئة داخلية قوية للبعد والانفصال؛ لأن الإنفاق من أهم مميزات الزوج، بل كما قال ربنا: {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].
5. التجييش الأهلي
إن ظهور المشكلات الأسرية ومعرفة أهل كلا الطرفين بها، وغياب تغليب استقرار البيت عن الثأرية وأخذ الحقوق ومحاسبة المخطئ، والإفراط في حتمية الاعتذار، والكرامة دون النظر للفضل الذي كان بين الزوجين، وبين العائلتين، كل هذا التحشيد يجعل العودة أصعب وأصعب ويجعل قرار الانفصال أقرب مما مضى وتلك مصيبة، لكن المصيبة الأكبر هي الطفولية التي نراها في الخلافات الأسرية.
6. التسرع في الطلاق
إن كل ما سبق نتيجته هذه الكلمات، كلمات بسيطة لا تتجاوز الشفاه لكن أثرها شديد بل بغضه ربنا؛ ففي الحديث: "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق" (رواه أبو داود وابن ماجه وفيه ضعف) فهو مباح لكنه مكروه، وعليه فإننا ننادي الزوجين أن هذه إشارات البعد والجفاف العاطفي والفتور، فلا تدعا الأمور تصل لمنتهى ومنزلق خطير.
والزوج الواعي والزوجة المدركة هما من يجعلان من بيتهما منبعاً للحب والفرح والسرور، وليس باب شر وخلاف وفجور في الخصومة تصل للتشهير والمحاكم، وكأنه لم يكن بينهما مودة ورحمة، وكأن كمائن القلوب الفاضحة لكل تجمل وصلت بين الزوجين، وتلك طامة كبرى؛ فالبيوت هي المحضن الطيب الذى اختار كلا الطرفين أن يقيمه على مراد الله، ومراد رسوله.
فاتقوا الله أيها الأزواج، واتقين الله أيتها الزوجات؛ فهدم البيوت ليس بالهين ولا اليسير، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن