وقفات على هامش انتشار فيروس كورونا
1_كم هو ضعيف هذا الإنسان وكم هو جاهل:
تقول الموسوعة الحرة في تعريف الفيروس (عامل ممرض صغير لا يمكنه التكاثر إلا داخل خلايا كائن حي آخر. الفيروسات صغيرة جدا ولا يمكن مشاهدتها بالمجهر الضوئي. تصيب الفيروسات جميع أنواع الكائنات الحية، من الحيوانات والنباتات اٍلى البكتيريا....على الرغم من أن هناك الملايين من الأنواع المختلفة، لم يتم وصف إلا حوالي 5000 من الفيروسات بالتفصيل).
ذلك الفيروس الصغير جداً، الذي لا يُرى بالعين المجردة، والذي يبلغ من شدة صغره أنه يصيب البكتيريا التي لا تُرى هي الأخرى بالعين المجردة.
ذلك الفيروس الذي ليس كائنا حياً، والذي هو مجرد جزيئات معدية لا خلايا.
ذلك الفيروس يُعجز الإنسان الذي يتكبر بسيطرته على الأرض، ويظن أنه أصبح قادراً على تدبير شأنه وشأن الأرض كلها بعيداً عن إلهها وخالقها.
وينتج ذلك الإنسان الضعيف الجاهل مئات الأفلام السينمائية التي تروج لفكرة محاربة الآلهة وسطوتها، ووصوله لدرجة الاكتفاء بعقله وذاته عن عنايتها ورعايتها.
هذا الإنسان الجاهل الذي يستطيل بعلمه ويظن أن لا شيء في الأرض إلا وأصبح في قبضة مجهره وتيلسكوبه ومعمله، ما يزال بجهله لم يتوصل إلا إلى وصف 5000 فيروس من ملايين الفيروسات الموجودة.
2_ الحجر الصحي والإعجاز النبوي في السبق إليه:
عندما يعتمد الطب الحديث على الحجر الصحي -وهو عزل المرضى عن الأصحاء- في مواجهته للأوبئة والفيروسات، فإن العالم كله لا بد أن يقف إجلالاً وتقديراً لدين الإسلام ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أقر ذلك الحجر الصحي ودعا إليه قبل ألف وأربعمئة عام.
ففي الحديث الذي رواه البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها).
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف، وجعل للميت بالطاعون غير الفار منه أجر الشهيد، ففي الحديث الذي رواه أحمد يقول صلى الله عليه وسلم (الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه له أجر شهيد) (رواه أحمد وفيه ضعف).
كان الواجب على العالم كله أن يقف تقديراً وإجلالاً للنبي محمد ولدينه الإسلام على هذا السبق. وبعد أن يقف العالم تقديراً وإجلالاً يقف بعدها مصدقاً ومؤمناً ومسلماً، لأن هذا السبق ما كان ليكون إلا بوحي إلهي سماوي في حينه، الذي لم يكن فيه علم ليخبر بذاك ولا تجارب لتثبت ذلك.
3_ الأوبئة والزلازل وعقاب الله للكافرين والمجرمين بها:
في أعقاب موجة تسونامي التي ضربت سواحل أندونيسيا عام 2004م، ومات بسببها مئآت الآلاف. تحدث بعض الدعاة عن أن مثل تلك الأحداث لا تكون إلا بغضب من الله وعقاب منه للمصابين بها.
وقامت الدنيا ولم تقعد حينها على هذا الرأي، وقال بعضهم: كيف يغضب الله على بلد مسلم مهما كانت المعاصي فيه، ويفعل به مثل ذلك، في حين أنه يترك بلاد الكفر والفُجر في أنحاء العالم ولا يفعل بها شيئا؟
في هذه المسألة آية قاطعة، قال الله تعالى فيها: {ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [سورة النساء:79].
فكل ما يصيب الإنسان على ظهر هذه الأرض من الزلازل والبراكين والأوبئة والمصائب هو من نفسه، وبما كسبت يداه، فردا كان أو جماعة أو أمة.
وقال تعالى في آية أخرى قاطعة أيضا: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [سورة الشورى:30].
وهي آية، وإن كانت تخاطب المسلمين أساسا، فإنها عامة للبشر جميعاً.
وما تكون من مصيبة تقع بالمسلمين فهي من ذنوبهم وتقصيرهم، وهي مما يكفر الله بها عنهم في الدنيا. وما تكون من مصيبة تقع بالكافرين فهي من كفرهم وجرمهم، ولا يكفر الله عنهم بها، وما عند الله من العذاب لهم أشد وأنكى.
وخلاصة المسألة، أن المصائب التي تكون في الدنيا، إما أن تكون بلاء بقوم من المؤمنين تكفيراً لذنوبهم، وإما أن تكون عقاباً لقوم من الكافرين عُجل لهم في الدنيا.
وفي الأوبئة خاصة التي نحن بصدد الحديث عنها حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه يقول فيه) لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)، هو عقاب إذاً من الله للذين كفروا وفجروا وآذوا المسلمين، وبلاء من الله للمسلمين الذين أصيبوا به، وما كان الله ليجعل شيئا في هذه الدنيا بغير حكمة وسبب.
4_ الأخوة الإنسانية والأرض التي أصبحت قرية واحدة:
الأرض أصبحت حقاً قرية واحدة، ما يصيب الناس في شمال الأرض سرعان ما يصل لجنوبها، وما يكون في الشرق لا يلبث أن ينتقل إلى الغرب.
عندما كان فريق من الإسلاميين ينادون بتأكيد الإسلام على الأخوة الإنسانية كمرحلة سابقة على الأخوة الدينية وأكثر عمومية منها، كان فريق آخر من الإسلاميين يرفض ذلك بشدة، ويرى أن لا أخوة إلا أخوة الدين والعقيدة.
والحقيقة أن الأخوة الإنسانية هي أخوة حقيقية لا شك فيها، فكلنا بشر، أبناء آدم عليه السلام.
وإن دعوتي -أنا المسلم- لغير المسلمين لدين الإسلام، هو من رجائي أن ينقذهم الله من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، حباً لهم، لأنهم في النهاية إخوتي، من أبي آدم.
وإذا لم أتفق -أنا المسلم- مع إخوتي من غير المسلمين على العقيدة والدين، فلا بد أن لا نختلف على إنسانيتنا وأصلنا الآدمي الواحد.
هكذا يجب أن يكون الحال، وهكذا يدعو الإسلام، ولا يدعو الإسلام لكره ولا لعداء، إلا لأولئك الذين يكرهون الإسلام ويعادون أهله، أما المسالمون الكافّون لأذاهم، فلهم السلام مهما استمروا في كفرهم.
هذه الصورة، حتى وإن بدت مثالية غير واقعية، هي التي تجب أن تكون، ويجب أن ننادي بها نحن أبناء الإسلام، وأبناء المشروع الإسلامي، حتى وإن بقت مجرد رجاء لن يتحقق.
5_ الممارسات والطقوس الإسلامية وفاعليتها الوقائية والعلاجية:
ذكر البعض أن من الأشياء التي تقي من فيروس الكورونا الوضوء لكل صلاة، وذكروا أن المضمضة والاستنشاق والاستنثار لها فاعلية كبيرة في الوقاية من هذا الفيروس القاتل.
وإن كان هذا الكلام ما يزال كلاماً مرسلاً، ليس عليه أي دليل قاطع، ولم يصل بعد إلى حد الحقيقة القاطعة. إلا أن الحقيقة القاطعة أن كثيرا من الممارسات والطقوس الإسلامية الشعائرية لها فاعلية كبيرة وقائية وعلاجية.
والكلام حول الوضوء وحركات الصلاة والصيام... وغيرها، وحول فاعليتها الوقائية والعلاجية لكثير من الأمراض والأوبئة كلام ذو مصداقية كبيرة، يحتاج إلى الكثير والكثير من الأبحاث المستقصية المنصفة.
6_ الطب النبوي حقيقةٌ لا سراب:
لابن القيم كتاب بعنوان (الطب النبوي)، جمع فيه الكثير من الأدوية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم والتي أوصى بها.
وحول مصطلح الطب النبوي ثار الخلاف، فقال البعض به على اعتبار أنه طب نبوي يجب النظر إليه أولاً عند التداوي، وقال البعض الآخر أنه لا يوجد ما يسمى بالطب النبوي، وأن ما تداوى به النبي هو ما كان يتداوى به العرب والأعراب في حينه، وليس معنى أن يأخذ النبي به أن نأخذ به، وإنما نتجاوزه إلى غيره من الأدوية والعقاقير التي يكتشفها الناس زمانا بعد زمان.
وفي ذلك قال ابن خلدون في مقدمته: (وكان عند العرب من هذا الطب كثير، وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره. والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب. ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل. فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع فقال : أنتم أعلم بأمور دنياكم. فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه اللهم إلا إذا استعمل على جهة التبرك).
والحقيقة أن الطب النبوي حقيقة لا سراب، وأنه ينقسم إلى قسمين، قسم أخذ فيه النبي بما أخذ به العرب في زمنه، وهذا طب تجريبي بشري لا تشريع فيه، وطب جزم به الوحي الإلهي أو النبوي، وهو الطب التشريعي الذي يجب أن نلتفت إليه أول ما نلتفت في كل مرض ووباء.
فعندما يقول الله عن عسل النحل: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} [سورة النحل:69].
فلا بد أن يلتفت الطب لفاعلية عسل النحل في علاج الكثير والكثير من الأمراض.
وقد توصل قريبا الدكتور الزنداني مع فريق من الباحثين لعلاج مرض الإيدز من عسل النحل ومستخلصاته.
وعندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام) فهذا توجيه نبوي قاطع بالتماس الدواء في هذه الحبة لكل مرض.
وعندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري (الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي).
فلا بد أن ينظر الطب إلى هذه التوجيهات النبوية القاطعة أول ما ينظر لعلاج الأمراض والأوبئة.
ولو أن مراكز الأبحاث العلمية والطبية في أمة الإسلام تنظر في هذه النصوص القرآنية والنبوية في الطب والتداوي، لربما استخلصنا علاجاً لكل داء، ووقاءً من كل وباء.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ) (رواه البخاري).ض
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن