الكورونا بين فَهْم إبليس وبلقيس
كتب بواسطة أ. علاء محمد صالح
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1313 مشاهدة
في ظل أجواء الخوف والقلق التي يعيشها العالم اليوم بأغلبيته من دول وحكومات وشعوب وأفراد... أرى في الأفق نورًا ساطعًا ينبثق من أزمة الكورونا...
ولا تعجب إن قلت لك أن الكورونا تعتبر منحة إلهية....
نعم هي منحةٌ ربانية ورسالة إلهية لا بد منها، تحمل طابع التهديد والوعيد كي يغير البشر مسارهم ويصوبوا حركاتهم وتوجهاتهم ويطهروا عقولهم ويزكوا نفوسهم ويجلوا قلوبهم بعد عقود وعقود من الزيغ والانحراف...
تأمل معي بعجالة أبرز أحداث هذه القصة القرآنية ومدى ارتباطها بواقع الكورونا للوصول لرؤية سننية مرتقبة...
أَطْلع الله سبحانه النبي الملك سليمان _ عليه السلام _المزوّد بالمعجزات الإلهية القدرات الخارقة والإمكانيات الهائلة، على كفرِ ملكة وجحودها لنِعَم ربها عبر هدهد غيور، فأرسل النبي _ على وجه السرعة _ برسالة خطية تجمع بين الرحمة والحكمة والحزم إلى ملكة المملكة بلقيس وحاشيتها، يدعوها لعبادة الواحد الأحد، والخضوع تحت سلطانه، وترك معتقدات الباطل...
وهكذا يرسل الله عز وجل للبشر آيات بيّنات ورسائل قاسية في بعض الأوقات، حتى يتبين لهم الحق، فيدركوا عجزهم وضعفهم وحاجتهم لخالقهم، والكورونا واحد من تلك الرسائل حتى يعود البشر إلى وعيهم ورشدهم ويقلعواعن غيّهم وظلمهم...
أخذت الملكة بلقيس العاقلة كتاب سليمان على محمَل الجدّ، فقامت بعقدِ قمةٍ طارئةٍ وجلسةٍ استثنائيةٍ عاجلة، جمعت فيها الوزراء والأعيان وقادة الجيش وأكابرَ دولتها وكبارالمستشارين، وعرضت عليهم فحوى الكتاب...
وهكذا عقلاء البشر استقبلوا الكورونا بجدية واهتمام، مُلِئت مستشفياتهم بالأطباء والممرضين، ومراكزهم بالباحثين، ومختبراتهم بالكيميائيين، الكل انشغل _ وما زال _ بإيجاد الدواء المناسب واللقاح...
هنا ظهرت النزعة الإبليسية في صفوف بعض أهل مشورة بلقيس، نزعة التمرّد والتكبّر والاستعلاء، التي تحرم الفرد والجماعة النظرة المتوازنة الفاهمة للواقع، المفضية إلى التهور فالهلاك، محاولين إقناع ملكتهم بقدراتهم الخارقة على الحرب والانتصار...
وهكذا هو الحال بالنسبة لكثير من الناس، عند الأزمات يغترون بقدراتهم، ويعطون أنفسهم فوق حجمهم وقَدْرهم، فيزداد بُعدهم عن ربهم، ناسين قوة الخالق العظمى المسيطرة على هذا الكون، غير آبهين بالأزمة، أو محاولين الخروج منها بتكبّرٍ وعنجهيّةٍ بدون إذعان للحق، فتكون الأزمة عندئذٍ سببًا لنهايتهم وأفول سلطانهم...
وللأسف تبنّى هذه العقلية المتخلّفة بعض أبناء الأمة، فسبّبت لأمتنا الانتكاسات والهزائم، وإزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وعادت بنا للوراءِ ردحاً من الزمن.
أما الملكة العاقلة بلقيس، ففكرت مليًّا، وأمرت بإرسال هدية للملك النبي لاستمالته واستنزال مودته، وللنظر في إمكانياته وقدراته، ولإقناعه بالرجوع عن قراره...
وهكذا انبرى كثير من العقلاء للتفكير بحلول جدية وواقعية للخروج من مأزق الكورونا... تلك هي النزعة البلقيسية، نزعة الحلم والأناة والتعقُّل، التي تزين الأمور قبل الإقدام على الأفعال، وتدرس حركة التاريخ وفق القوانين الربانية، وتدقق النظر في المقدمات المفضية إلى النتائج والعواقب والمآلات، وتقرأ بتأنٍّ ودقة الظُّروف والملابسات المحيطة بالواقع، وتحدد الأهداف والغايات، مع معرفة حجم إمكانياتها الفعلي مقارنة مع غيرها، مقدمة المصلحة العامة على المصلحة الخاصة...
وصل الوفد حاملًا الهدايا إلى النبي سليمان فرفضها، وتوعّد بإرسال جندٍ للسحق والإذلال، فعندها قررت الملكة مع أهل مشورتها المجيء إلى الملك مذعنين مستسلمين، أتت الملكة إلى فلسطين، فأراها النبي سليمان قدرات معجزة خصّه الله بها، فما استطاعت إلا أن تذعن وتسلم لله رب العالمين...
وهكذا شدد الله بلاء الكورونا بعد محاولات البشر لاحتوائه، فانتشر بعد أن بدء في بلد محدد إلى أن أصبح فيروسًا عابرًا للقارات...
وهنا نستلّ إيجابيتين...
الأولى: لقد أصاب الكورونا العولمة وفكر التغريب والتحرّر في مقتل، سنشهد تداعياتها في القريب العاجل بإذن الله سبحانه ...
نعم، سيشهد المستقبل بإذن الله أُفول كثير من مبادئ الليبرالية والعولمة وأقانيم الرأسمالية المتوحشة لصالح شيء جديد... سنشهد سقوطًا مروّعًا أو على الأقل تأثّرًا جَمًّال تلك الحضارة المزيّفة التي أفسدت على البشر حياتهم، وأفقدتهم إنسانيتهم، وأنْسَتْهم ربهم، ولوّثت فطرتهم، عبر جمعها كل شرور الزمان من إبليسية ونمرودية وفرعونية وسامرية وقارونية وعاديّة ومَدينيّة إلخ.. فما قبل الكورونا ليس كما بعدها، بغضِّ النظر عن الجزم بالتوقيت.
الثانية:
1- ستحدث الكورونا _ وقد أحدثت_ عند الكثير صدمة إيجابية توقظهم من زَيف وأوهام حضارة شعواء، ستنتج هذه الأزمة بإذن الله عقليات سُنَنِيّة واعية عبر عودة محمودة من المسلمين للدين.
2- سيُرَدّ كثير من الناس _ بسببها _ إلى فطرتهم البشرية المقرّة بوجود إله واحد أحد، كاشفين عجزهم وفقرهم وضعفهم وحاجتهم لذاك الإله العظيم.
3- ستُزوَّد الأمة بمسلمين جُدد أصحاب طاقات عظيمة، وقدرات هائلة، وأدمغة عاقلة وذكية _ كذكاء بلقيس وعقلانيتها _، توظّف كل إمكانياتها وقدراتها لعبادة الله بالمفهوم الشمولي، ولخدمة دينه ونصرته، ولإعمار الأرض بالخير عن اقتناع وشوق ورغبة... بالفعل، إنها ضربة قاتلة لمنظومة الشر العالمية، فسيتخلى عنها كل العقلاء في وقت محنتها...
من هنا ينبغي أن تسعى أمة الإسلام لاستغلال تلك اللحظة التاريخية، عبر التحرك لدعوة غيرها من الأمم العطشى للحق والنور واستعادة الفطرة، والتركيز على استثارة همم أبنائها، كي يكثِّفوا جهودهم ويستثمروا أوقاتهم، للبدء بتأسيس مبدأ العودة للدين، وحمل الأمانة والقيام بدورهم الحضاري، الذي أتقنه أجدادهم على مدار التاريخ، منعتقين من العقلية المادية البحتة والذهنية المعلّبة المستورَدة...
فالبشرية في حالة انتظار لنظام رباني ينقذهم من مآسيهم، وفي حالة شغفٍ لدين يروي عطشهم، ويلائم فطرهم، ويغذي عقولهم، ويراعي إنسانيتهم، ويصلح دنياهم وآخرتهم...
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة