تحدث الناس كثيراً عن أهمية قيادة المرأة للسيارة… ولم يتركوا شيئاً يقنعون به أولياء الأمور بالموافقة إلا ساقوه، ونسوا أمراً واحداً هو أهم الأمور وأعظمها على الإطلاق ألا وهو “النخوة”.
وإني لأستغرب كيف تتقبل “النخوة العربية” و”الخلق الأصيل” اللذان رأيتهما في هذا البلد الكريم، أن يجلس الرجال في السيارات المكيفة مرتاحين هانئين ونمشي نحن النساء في الشارع والحر يلفحنا والتعب يجهدنا والطائشون يعاكسوننا…
ستقولون: “ولم تمشين في الشارع، أين أبوك؟ أين زوجك؟ أين ابنك؟”.وأقول وبلا مؤاخذة: “وأين تعيشون؟؟؟ ألا تعملون أن الأب يموت أو يمرض؟ والزوج يسافر أو يتقيد بقوانين العمل فلا خروج قبل انتهاء الدوام؟ والأبناء الذكور قد يكونون صغاراً، أو يهب الله للمرأة البنات دون البنين؟؟؟ فمن يسوق السيارة؟”.
لقد مرت بي وبمن أعرف من النساء ساعات عصيبة عانينا فيها من المشقات والآلام، واحتجنا لمساعدة عاجلة ولم نجدها، ولا أحد يهتم لمعاناتنا:
فيمرض الصغير فجأة، أو نتعرض في البيت لحادث خطير: وقوع أو حرق أو نزف (وأكثر الحوادث تكون في البيوت) أو نحتاج لمشوار ضروري… والزوج غائب والأهل يبعدون عنا بمسافات (فالسعودية بلد كبير جداً ومترامي الأطراف)… المهم أننا نحتاج لسائق على الفور فلا نجده، ونعاني كثيراً من الحرمان بسبب المواصلات ونحبس في البيت، والموظفة يخصم عليها من المعاش (بسبب الغياب) ولا يهتم أحد بمشكلاتنا.
ستقولون: “قُري في بيتك!”.ولكن: “أليس الذهاب إلى المدارس مقبولاً؟ أليس عمل المرأة بالتعليم مستساغاً ومرحباً به؟ ألا نمرض ونتألم ألا نحمل ونلد ونحتاج إلى المراجعة في المستشفيات؟ ألا يلزمنا بر آبائنا وخدمتهم وزيارتهم؟ فكيف نذهب لو عدمنا السواقة؟ بالله عليكم كيف؟”.
وكم من مرة احتجت لشيء ضروري وزوجي غائب (ومثلي كثيرات)، فنزلت للشارع لأذهب بابني المصاب بالحمى إلى المستوصف، فلا أنا أستطيع حمله لثقله ولا هو يستطيع المشي لارتفاع حرارته وبؤسه، ويظل يئن ويبكي ويمشي متثاقلاً وأسحبه من يده والحزن يعتصر قلبي.
وفوقها لا يرحمني سيل السيارات المتدفق، فإذا وضعت رجلي في الشارع لأقطعه إلى الجهة الأخرى يزداد بؤسي وحزني إذ يستمر تدفق السيارات في الشارع وأبقى واقفة أنتظر الرحمة، ويرتفع أنين ابني وأسنده لكيلا يقع أرضاً. وتضطرب في داخلي المشاعر وأقول: “هل من الإنصاف أن يركب الرجل القوي؟ وتمشي المرأة الضعيفة”.
حتى إذا وقف لي أحدهم لأمُرَّ لم أنجُ من نظراته، وإذا قطعت الشارع وانتهيت لحقني يعاكسني ويسمعني مرّ الكلام وسيئه، حتى إذا تمادى أيقظ غيظي وحنقي: “فأقول في نفسي: آه لو كنت داخل السيارة المكيفة أسوقها بدل المشي المتعب، ويرتاح ابني المريض على المقعد الوثير بدل إجهاده وهو مريض، وأقفل الباب والشباك فلا أسمع ما يؤذي من كلام المستهترين ولا يصل إلي أحد بسوء، ألا يكون الوضع أفضل وأكرم وأتقى؟”.
فأين أنتم أيها الغيورون، أين العدل فينا، أين النخوة لما يحل بنا؟ وإن قيادة المرأة للسيارة ضروة حقيقية، وحاجة ماسة لا يمكن تجاوزها. وهاهي النساء تسوق في كل البلدان وأمورهم بخير.
وإني لأرى الأطفال الصغار (دون العاشرة) في سكني يقودون السيارات الفارهة وهم -والله العظيم- لقصرهم وصغرهم يتطاولون ليتمكنوا من رؤية الطريق، ولا أحد يكلمهم أو يوقفهم، ويعملون الحوادث المريعة ويموت الناس بسببهم ولا يُتخذ الإجراء الصارم تجاههم، وأرى الشباب يتسكعون بالسيارات ويشحطون بها ويخرجون للترهات والكلام الفاضي ويزحمون الشوارع… ثم نمنع نحن النساء من الخروج إلى المشاوير الضرورية ومن القيادة فقط لأننا إناث فهذه جريمتنا وهذا ذنبنا.
النخوة النخوة أيها الرجال، وإني لواثقة من أخلاقكم العربية الأصيلة، ولكنكم كنتم قطعاً لا تعلمون ما الذي نعانيه نحن النساء وها قد سردته عليكم.ففكوا كربتنا
كانت نهاية المقالة في الفقرة الماضية .. ولكني غيرت رأيي بعد أن رفضت كل الدوريات نشر المقال لي قبل عامين، ثم ولما أثير الموضوع حديثا ازداد يقيني بأن النخوة قد ذهبت مع الأولين، خاصة بعد أن سمعت آراء حماة الفضيلة الذين اتهموا المرأة بالفسق والفجور وهي لم تقد بعد السيارة ولم نر نتائج القيادة
ورأينا تحيزهم لجنس الذكور: “حين تحججوا بالقانون” فأين كان القانون حين يقود الأطفال، والأطفال يقودون كل يوم ونراهم في الطرقات يتسكعون، يتركون الولد الصغير لينجو بفعلته ويحبسون امرأة متمرسة في القيادة ومعها شهادة ويحرمونها من وليدها عشرة أيام يا للقسوة، ويتركون الصغار المتهورين بلا عقاب، ويدعون أنهم فعلوا هذا مرضاة لله. ويا وليهم من الله فالظلم أكبر عند الله من مخالفة الأمر، ثم يسمون أنفسهم “علماء” و”فقهاء”!؟
وتحججوا بسد الذريعة ونرى كل الذرائع التي تحججوا بها قد وقعت للمرأة رغم حرمانها من القيادة وهي تختلي بالسائق وتتعرض لمخاطر أن يبنشر الدولاب، وغيره من الحجج الواهية، وكأن النساء لم يسوقوا بحياتهم ولم يتجاوزوا هذه الصعوبات.
وكلامهم يدل على أن شباب هذا البلد يتظاهر بالدين وبالتقوى وهو شعب فاسد وفاسق وينتظر أي فرصة ليبرز ذلك، وبدل إصلاحه نظلم المرأة ونمنعها حقها ونترك الذكور الذين هم أصل الفساد يتنعمون.
وتحججوا بالشرع: وأين قول المصطفى اللهم إني أحرج عليك حق الضعيفين المرأة واليتيم، وأين هو الشرع وبلادنا تعج بالربا والغش والرشوة؟؟؟ هذا كله يسكتون عنه لأنه لا قدرة لهم على الأقوياء ويأتون للمرأة الضعيفة فيظلمونها ويحرمونها من حريتها.
وترى هذا الفقيه الذي يُحَرم : وقد تزوج عدة نساء وامتلأ شحما ولحما لأنه ضعيف على شهواته وحين يصل الأمر له أهوائه ينسى التقوى والورع وسد الذرائع و(حديث ثلث لطعامه وثلث لشرابه، ونسي الاقتصاد وقوله تعالى ولا تسرفوا، ونسي شروط التعدد وظلم أولاده وأمهم) فالشرع يطبق على المرأة وحدها.
وأكثر ما يحزنني أننا رضينا نحن النساء- بكل هذا واتجهنا إلى العبادة “إلى الحرم” إلى الله فاستكثروها علينا وطوقوه هو الآخر بقوانينهم المتحيزة إلى الذكور، وحاصرونا في أماكن العبادة ويحرمونا من النزول إلى المطاف قبل الأذان بربع ساعة، ولم أستطع الوقوف أمام الملتزم (خلال 30 سنة) كما يقف الرجال ولا أستطيع الصلاة عند مقام إبراهيم وإلا هشوني كما تهش الدواب…وأحب كثيراً مشاهدة الكعبة وأنا أصلي فرفعوا للنساء أسوارا عالية وصرنا في سجن بقضبان ومحكم الإقفال، والسطح لا يمكننا الاقتراب منه…. بل تخيلوا أن الأدراج الكهربائية كانت للرجال فقط، وللمرأة الصعود على الدرج… ثم يتكلمون عن تكريم المرأة واحترامها وصونها.والواقع أن المرأة اليوم لم يظلمها أي قانون كما يظلمونها هم وباسم الدين!!فأين نذهب بأنفسنا نحن النساء؟؟
إذا لم يكن لنا مكان في الدنيا فاتركوا لنا الآخرة وذروا الحرم كما كان من قديم نتحرك فيه بحرية.
وأخيرا
المرأة ستسوق ستسوق ولكنهم اختاروا أن يخرج الأمر من أيديهم كما خرج غيره من قبل، وصرنا نرى مالم نكن نراه من: “الاختلاط” و”عمل المرأة في كافة الميادين” و”غيره من المنكرات”… بل أصبحنا (ويا للأسف ويا للعار) نفرح ببعضه لأنه الطريق الوحيد لوصول المرأة إلى حقوقها.
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن