رمضان بغير مساجد وتراويح.. كيف سيكون؟!
كتب بواسطة راجي سلطاني
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
934 مشاهدة
ما زالت الكورونا تعيث في الأرض فسادا، وما زال الرعب والفزع يملآن الآفاق منها، وقد أُغلقت المساجد وعُطلت الجُمع والجماعات، والتزم الناس بيوتهم، أو هكذا طلبت منهم الحكومات. والحقيقة أن الكثير منهم لم يلتزموا، وخرجوا إلى أعمالهم وأسواقهم وحاجاتهم وكأن لا شيء جديد، والشيء الوحيد الذي التزموا فيه هو تركهم للمساجد وإغلاقها، وقد التزموا في هذه مرغمين، تحت تشديد السلطات الحاكمة، وإغلاظ عقوباتها للمخالفين.
وكل العجب أن نرى إصرار السلطات في بعض البلدان على التشديد في غلق المساجد دون سواها، ومنع الناس من التجمع للصلاة وتركهم للتجمع في كل مكان آخر ولأي شأن آخر.
تقول بعض الآراء المبالغة في الإيمان بنظرية المؤامرة: إن الذي يحدث مقصود من أجل إغلاق الحرمين الشريفين والمساجد في أنحاء الأرض، وإلغاء الطواف بالبيت والصلاة في جماعة، وإلغاء العمرة والحج، من أجل أغراض خبيثة تريد الشر بأمة الإسلام وأرض الإسلام.
وإن بدت هذه الآراء مبالغة في الإيمان بنظرية المؤامرة إلى حد بعيد، لكن الذي رآه الواحد منا من مسلسل التاريخ الذي نعيشه ومن عبثية الأحداث فيه وتداخلها أنه: لا شيء مستبعد، ولا احتمال مقطوع باستحالته.
رمضان على الأبواب، وما زالت المساجد مغلقة، والواضح أنها ستبقى كذلك، حتى أن وزارات الشؤون الدينية في البلدان المختلفة قد أكدت على أن المساجد ستبقى مغلقة في رمضان ما دامت الحالة قائمة.
وأعجب تصريح كان من وزير الأوقاف المصري، الذي أكد على أن المساجد لن تُفتح إلا إذا انتهت الحالة كاملة، أي أنه لن تُفتح المساجد بمجرد التحسن، ولا حتى إذا حدث تحسن كبير……لن تُفتح إلا إذا انتهت الحالة كاملة بلا أقل أثر باقٍ.
وتلك التصريحات الغريبة، هي التي تثير الريب والشك، وتدعو للتأويلات والاستنتاجات، والغرق في بحار نظرية المؤامرة التي أشرنا إليها سابقاً.
فلماذا لا يقول هؤلاء المسؤولون: سننظر في الأمر عند بداية شهر رمضان، وسنأخذ رأي أهل العلم والاختصاص، لنرى هل نفتح المساجد أم لا، وإذا ما ظهر أي تحسن في الحالة العامة، سننظر في الأمر حينها، وسنأخذ كذلك رأي أهل العلم والاختصاص، لنرى هل يمكن حينها فتح المساجد، أم أن الأمر يستدعي إبقاء إغلاقها لحين انتهاء الحالة بالكلية.
لماذا يصر المسؤولون في البلاد العربية والإسلامية على أن يقدموا للناس خطاباً غبيّاً بائساً، وكأنهم يتعمدونه، ليدخلوا الناس في دوامة الشكوك والتأويلات.
والسؤال الذي قامت له هذه المقالة هو: كيف سيكون رمضان بغير المساجد والصلوات فيها، وبغير صلاة التراويح في المساجد، والتي أراها روح رمضان، وأهم مشهد مميز فيه.
في رأيي، أن رمضان به مشهدان مميزان، لا يكونان إلا فيه، ولا يُعرف رمضان إلا بهما: لحظة أذان المغرب وهروع الناس إلى إفطارهم، حيث تتوقف حياة المسلمين تقريبا في هذه اللحظة إلا في منازلهم وعلى موائدهم.
وهي اللحظة التي جاء فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ” للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه” (رواه البخاري ومسلم).
واللحظة الثانية لحظة خروج الناس من منازلهم بعد تناول إفطارهم لصلاة العشاء والتراويح في المساجد، واكتظاظ المساجد بهم، حتى أننا نرى تجمعات الناس خارج أبواب المساجد بأعداد كبيرة في هذه الصلاة، وهو ما لا نراه طيلة العام في أي صلوات أخرى، ولا حتى في صلاة الجُمع.
ونسمع مكبرات المساجد وهي تصدح بالأصوات الندية التي تتغنى بالقرآن، ويقرأ الأئمة جزءاً من القرآن في كل ليلة في أكثر المساجد، ثم تصدح أصواتهم بالدعاء والتضرع لله في آخر كل صلاة، والناس في أعدادهم الكبيرة يؤمّنون على الدعاء، والأصوات من هنا وهناك، في صورة إيمانية وعبادية ليس لها نظير.
يقول أحد شيوخ السلطان، الذين يسبحون بحمد سلطانهم ليل نهار، ويقدسون قراراته كأنها وحي من السماء: صلاة التراويح سيصليها الناس في بيوتهم، وصلاة التراويح في البيوت هي الأصل الذي كان عليه النبي، وقد صلاها في بيته لمّا رأى تزاحم الناس على المسجد.
إنه يخدع الناس في ذلك، فأصل صلاة التراويح أن تكون في المسجد، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد أول الأمر، وصلى الناس بصلاته، ثم تزاحم الناس على الصلاة خلفه في الأيام التالية، فصلى في بيته وقال: أخشى أن تُفرض عليكم.
واتفق جمهور العلماء من بعد على أن صلاتها في المسجد هو الأفضل.
روى الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قام مع الإمام –يعني في صلاة التراويح- حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة”.
وقال النووي في المجموع: “صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء ….وتجوز منفردا وجماعة. وأيهما أفضل؟ فيه وجهان مشهوران، والصحيح باتفاق الأصحاب أن الجماعة أفضل”.
وجاء في تحفة الأحوذي: “قيل لأحمد بن حنبل: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال يصلي مع الناس. قال ويعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له بقية ليلته”. قال أحمد رحمه الله: يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام. قال أبو داود : شهدته يعني أحمد رحمه الله شهرَ رمضان يوتر مع إمامه إلا ليلة لم أحضرها. وقال إسحاق رحمه الله قلت لأحمد: الصلاة في الجماعة أحب إليك أم يصلي وحده في قيام شهر رمضان؟ قال: يعجبني أن يصلي في الجماعة، يحيي السنة. وقال إسحاق كما قال” أ.هـ.
لسنا ضد إغلاق المساجد كإجراء احترازي إذا ما دعت الضرورة لذلك، وقد أيدنا هذا القرار في بداية الأمر .
لكن، لما رأينا أن الناس يعيشون حياتهم في بعض البلدان بكل طبيعية_ ويتجمعون حيث يشاؤون ومتى يشاؤون_تساءلنا: لماذا الإصرار على إغلاق المساجد وحدها، ولماذا التشدد الغريب في ذلك.
ونحن على أبواب رمضان نتساءل :كيف سيكون رمضان بغير مساجد وصلاة، وكيف سيكون بغير تراويح، وهي التراويح والروح، التي لن يكون رمضان رمضانا بغيرها.
ونسأل الله أن يكون الفرج من عنده، وأن تأتي العافية العامة قبل رمضان، لنذهب لمساجدنا، نصلي ونعبد، ونشكر الله على ما كان وما يكون وما سيكون.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة