أيّ حياة أرادها الله لنا؟!
كتب بواسطة ميمونة شرقية
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
1334 مشاهدة
ها هو شهر البركات يجمع رحاله التي حطها بيننا منذ أيام معدودات،ولم يتبق منه إلا رفع الأوتاد ليبقى منه الأثر لتبدأ الساعات بالخط التنازلي مقتربة من اللحظة التي يتمنى الكثير من المسلمين أن تمتد بركاته للعام كله.
فلنعد أياماً قليلة إلى الوراء ونحن نتهيأ لاستقبال رمضان لهذا العام، وما كانت الأمنيات وكيف كانت التحضيرات؟!
القلوب تتأمل أن تعود حياتنا إلى ما كانت عليه قبل فرض الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا، وأن تفتح أبواب المساجد ويجتمع الناس من جديد على موائد القرآن وصلاة القيام وفي ليلة القدر ترفع الأدعية والابتهالات والمناجاة...
هكذا اعتدنا أن يكون رمضان بهذه الصبغة وهذا الحلي، وبهذه الروحانيات التي تجمعنا... وأن نتنافس في فعل الطاعات والقربات وأن .... وأن .... غير أن قضاء الله كان بخلاف ما تمنينا، فكانت المنحة لنا بفسحة من الوقت بخلوة لعلها تكون جلوة!!
هكذا ننظر لحياتنا التي نعيش بصورة نرسمها خيالات وأمنيات، أو عادات جرت فلا نتوقع أن تتبدل أو تتغير حتى نفاجأ يوماً بالرحيل.
رمضان هذا العام كان مختلفاً فهل كان لنا منه عبرة في فقه معنى "الحياة"؟!
لذا فكّر الناس ووضعوا الخطط لاستغلال هذه الفرصة، وتزاحمت المنافسات بما منوا الأنفس بفعله في رمضان.
وإن لم يكن لنا اجتماع في الجماعات لكن اجتماع غالبية المسلمين في رحاب "كتاب الله" تعالى، فالكل - إلا من منع نفسه من خير عظيم وأبى قلبه الانصياع - مقبل على كتاب الله تعالى في هذا الشهر المبارك، يمني النفس بختم التلاوة أقله مرة مرة واحدة، وبذاك يكون قد قرأ كتاب الله كاملاً!
فكيف قرأنا؟ هل مررت الآيات على اللسان؟! أم خالجت القلب والوجدان؟ أم حملت الفكر في تدبر وتأمل للمعاني فذرقت المآقي وخشعت الأركان؟!
هل توقنا عند الآيات التي تبصرنا بحقيقة "الحياة"؟!
فما هي الحياة؟ وبأي المعاني وردت في القرآن الكريم؟
وكيف يمكن أن نتدبر معانيها في واقعنا؟
وأي حياة أراد الله تعالى لنا أن نعيش في هذه الدنيا.
لقد تباين الناس في نظرتهم إلى الحياة الدنيا فمنهم المقبل عليها قلبا وقالبا مثالهم الرأسماليين والليبراليين والدول التي تسعى إلى السيطرة على من هم أضعف منها، ومنهم الزاهد فيها لا يقيم لها وزنا كالمتنسكين والذين ادعوا الزهد (وما فهموا حقيقته)، ومنهم من فهم المقصد من وجوده فيها فأدرك ما أراد الله تعالى له منها.
ولكل من الفئات الثلاث مصدر في نظرتهم الفلسفية للحياة. ونحن كي ندرك حقيقة الحياة فلا بد لنا من العودة إلى المصدر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه القرآن الكريم.
وقد وردت لفظة الحياة ومشتقاتها في عدة سور من القرآن الكريم ومنها ما يلي مثالا من غير حصر:
- إن لفظ (الحياة الدنيا) ورد في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، منها ما أتى مجرداً عن الإضافة إلى أي ضمير، كقوله سبحانه: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ﴿١٨٥ آل عمران﴾
وكما ورد هذا اللفظ مضافاً إلى خمسة أوصاف:
1- فقد أضيف إلى وصف (متاع) في ثمانية مواضع، منها قوله سبحانه: {ذلك متاع الحياة الدنيا} (آل عمران:14).
2- وأضيف إلى وصف (العَرَض) في ثلاثة مواضع. من ذلك قوله سبحانه: {تبتغون عرض الحياة الدنيا} (النساء:94). و(العَرَض) يعني: متاع الدنيا قلَّ أو كَثُر.
3- وأضيف إلى وصف (الزينة) في موضعين: أحدهما: قوله سبحانه: {تريد زينة الحياة الدنيا} (الكهف:28). وثانيهما: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} (الكهف:46).
4- وأضيف إلى وصف (الزهرة) في موضع واحد وهو قوله سبحانه: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا} (طه:131).
5- وأضيف إلى وصف (الحرث) في موضع واحد، وذلك قوله تعالى: {ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها} (الشورى:20).
وهذه الأوصاف الخمسة التي أضيف إليها لفظ (الدنيا) تدور حول معنى الدنيا في ما اوجده فيها وما اشتملت عليه من ملذات ومغريات ومتاع، فالدنيا ما هي إلا دار ابتلاء واختبار لهذا العبد ليخرج من نفسه أفضل ما عنده إن ابتغى الوصول إلى درجة الكمال التي أراد الله تعالى له أن يصل إليها في علاقته مع الله وفي علاقته مع نفسه وفي علاقته مع الآخر.
وتكون هذه الحياة التي منحه الله تعالى إياها في الدنيا جسر عبوره إلى الآخرة حيث الجزاء على ما قدم في أيامه هنا.
ونلاحظ من خلال استقراء الآيات أن الله تعالى يحذر من الحياة الدنيا وذلك بياناً لحقيقتها وأنها إلى زوال مهما طال مكثها، ويؤكد ذلك في تفضيل الآخرة عليها وحث الناس على الاجتهاد في السعي إلى كسب الحياة الآخرة، ويكتمل المشهد في لفتة مهمة وهي (ولا تنس نصيبك من الدنيا).
فما نصل إليه ونحن نقرأ ونتدبر آيات الله تعالى بقلب صافٍ مقبل على الله ونفهم ما أراد الله لنا أن نكون عليه في حركتنا في الدنيا: حركة الداعي إلى الله الذي يعرف كيف يتعامل مع هذه الحياة، فلا يركن إلى ما فيها من ملهيات، بل يستغل الطاقات وكل ما هو متاح فيها ليحيا حياة طيبة بكل تفاصيلها حياة طيبة في عبادته، حياة طيبة مع نفسه المطمئنة السعيدة، حياة طيبة مع أهله ومجتمعه وبيئته، حياة طيبة رغم كل الملمات التي تصيبه أو الظروف التي تعترضه أو الآلام التي تواجهه، كما قال سبحانه:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل،97)
فهلموا بنا نعِد التدبر في ما نقرأ نتوقف عند المعاني ونجعل من القرآن الذي نتلوه عملا وحركة وحياة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة