مـأسـاة الـمـسـلـمـيـن فـي أراكــان!!
في العدد 185 سلّطَتْ «منبر الداعيات» الضوء على معاناة المسلمين في بورما من خلال تقرير مُفصَّل... ولخطورة محنة المسلمين ومأساتهم المُبْكية هناك: عَمِدْنا إلى استجلاء أوضاع المسلمين هناك والوقوف على مأساتهم من خلال الحوار مع شاهد عيان مطّلع عن كثب على جريمة الإبادة المنظمة الأستاذ صلاح عبد الشكور مدير المركز الإعلامي الروهنجي، وهو أول مركز إعلامي متخصص بالاهتمام بمسلمي أراكان بورما (الروهنجيا)، ويُعتبَرَ الذراع الإعلامي الرسمي لمجلس الجالية الأراكانية البورميّة في المملكة العربية السعودية.
1. «منبر الداعيات»: لو تحدثنا عن وضع المسلمين العام في بورما وما يلقَوْنه من معاملة من قِبَل الحكومة البورمية.
- بداية أشكر لمجلة منبر الداعيات اهتمامها بهذه القضية التي غابت لفترات طويلة عن الإعلام الإسلامي والعالمي حتى حصلت المحرقة والمذبحة مؤخراً قبل ثمانية أشهر تقريباً، فتحرك الإعلام وتنادت الأصوات لنُصرة هذا الشعب المظلوم.
وضع المسلمين العام في بورما، وبالذات أقلية الروهنجيا المسلمة، مقلق للغاية؛ فهذا الشعب مُورِسَ في حقّه كل أصناف الاضطهاد الديني والعِرقي منذ عشرات السنين إلى يومنا هذا، وهو ما دعا هيئة الأمم المتحدة أن تعلن بأن أقلية الروهنجيا هي الأكثر تعرضاً للاضطهاد في العالم.
2. «منبر الداعيات»: ما هي أسباب شَنّ حملات الإبادة هذه بحق المسلمين في أراكان؟
- هنالك سببان رئيسان لإبادة المسلمين، السبب الأول: التمييز العِرقي، حيث إنّ غالبية المسلمين من عرق الروهنجيا، وهم السكان الأصليون لمملكة أراكان التي حكمها المسلمون لأكثر من ثلاثة قرون. ويعتبر البوذيون أن وجود هذا العرق من بين أكثر من 130 عرقاً معترفاً به في البلاد يشكل خطراً أمنياً بالنسبة لهم. السبب الثاني: التمييز الديني؛ إذ يعتبر البوذيون أن بورما بما فيها إقليم أراكان منطقة بوذية، لذلك يحاولون بشتى الوسائل إبادة المسلمين والتضييق عليهم وممارسة الأعمال الوحشية والقمعية بحقهم، وقد أعلنوا قبل أشهر معدودة على لسان أحد القادة الكبار أن ميانمار مستعدة لاحتواء الروهنجيا وتوفير المواطنة وجميع الحقوق لهم نظير تركهم لدين الإسلام ودخولهم في الديانة البوذية.
3. «منبر الداعيات»: ما هو وضع ودور المرأة المسلمة في أراكان اليوم؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها؟
- المرأة المسلمة في أراكان تختلف عن أخواتها في شتى بقاع الأرض، فهي رغم ما تمر به من ويلات ونكبات، إلا أنها لا زالت منذ قرون متمسكة بدينها وحجابها في ظل كل التهديدات والضغوطات التي تمارسها الحكومة الميانمارية عليها, وواجهت في سبيل ذلك الكثير من المتاعب والأعمال التعسفية ضدها بهدف إنزالها منزلة المرأة عند البوذيين، وعادة ما تكون للاستمتاع فقط؛ حيث أصدرت في حقها قرارات عديدة، من ذلك نزعها من أهلها وإجبارها على العمل في الجيش دون أي مقابل، ومضايقتها في فترة حملها بإجبارها على المجيء إلى الدوائر الحكومية وأخذ صور لها بأوضاع لا ترضاها المرأة المسلمة الأراكانية، كما أنها لا تسْلم من التحرشات والاغتصابات من قبل الطائفة البوذية دون أي اهتمام من الحكومة. وقد ازداد الوضع سوءاً منذ اندلاع الأزمة الأخيرة التي اجتاح فيها البوذيون أراضي المسلمين وديارهم فقتلوا الرجال واغتصبوا النساء بشكل مهين لم يشهد التاريخ مثله؛ فهذه امرأة لها ست من البنين لا تعلم مَنْ والدهم، لأنها اغتُصبت مرات ومرات، وأخرى تُغتصب من عشرين رجلاً حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة جراء العذاب النفسي والجسدي، وثالثة تُغتصب أمام والدها وإخوتها، وأمثال ذلك كثير في ظل غياب الدول الإسلامية والمنظمات التي تدّعي أنها تُعنى بحقوق المرأة!
4. «منبر الداعيات»: كيف ترى دور المسلمين الروهانجيّين في بلدان المهجر تجاه قضيتهم؟
- القضية الأراكانية مغيّبة عن أنظار العالم منذ أكثر من سبعين عاماً. فلا تكاد تسمع عنهم شيئاً رغم كل الضغوطات التي تمارَس ضدهم، ورغم أن قضيتهم تكاد لا تقل أهمية عن قضية فلسطين أو غيرها من بلاد المسلمين, إلا أن الإعلام قد سلّط عليها الضوء - على استحياء - في الفترة الأخيرة منذ اندلاع الأزمة. والحق يُقال، إن لأبناء أراكان الذين هم في المهجر دوراً كبيراً في إبراز القضية وإيصالها لمسامع العالم وإظهارها على شاشات القنوات وأوراق الصحف. وجميع الأراكانيين في أرض أراكان عاقدون آمالهم على الله سبحانه وتعالى ثم على هؤلاء الذين في المهجر لكي يوصلوا قضيتهم للعالم ويُبرزوا معاناتهم التي استمرت سنين طويلة ولا تزال تتفاقم.
5. «منبر الداعيات»: إلى جانب الحاجة الماسّة للعون المادي وحق العودة للمهجّرين.. ما أبرز الأولويات فيما يخص قضية أراكان؟
- الأولوية الآن هي للضغط الدولي والشعبي من دول العالم كافة والمنظمات المعنية لكي توقف الحكومة البورمية جميع أشكال الاضطهاد العرقي والديني ضد مسلمي الروهنجيا في أراكان، يرافقه إيقاف حمام الدم النازف، ومنح حق المواطَنة لجميع الروهنجيين، وتوفير الأمن لهم وإعادة كرامتهم، وأيضاً استقبال المهاجرين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في بعض دول الجوار واحتواؤهم والاعتراف بهم .
6. «منبر الداعيات»: ما هي أبرز وأهم الحلول العاجلة التي يستطيع المسلمون والدعاة وأهل الخير على وجه الخصوص أن يقدموها لإخوانهم المسلمين في أراكان؟
- حجم المأساة الواقعة في أراكان يتطلب حلولاً سريعة قبل أن تحدث هناك كارثة إنسانية؛ ومن أهم تلك الحلول:
- تحركات الدول الإسلامية؛ فنحن إلى الآن - رغم جهودها المباركة - لم نرَ بصمة واضحة تجاه ما يحدث لإخوانهم في العقيدة والدين بالرغم من أننا نرى تكالب أمة الكفر على المسلمين الأراكانيين في خطة واضحة لإبادتهم. وكما يعلم الجميع، فإن الحرب ليست حرباً طائفية كما هو مزعوم، بل هي حربٌ عِرقية دينية تهدف إلى القضاء على الإسلام في أرض أراكان. ولذلك يجب على جميع الدول الإسلامية أن تقوم بدورها السياسي والإعلامي للضغط على ميانمار لإيقاف المجازر وإعادة حقوق الأراكانيين المسلمين كافة.
- تحريك الرأي العام الدولي، وذلك بتقديم صورة واضحة للمعاناة وحجمها في أراكان، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول هذه الأزمة عبر جميع الأدوات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة. وكذلك من أبرز وسائل تحريك الرأي العام إبراز القضية وإظهارها في منابر الدعوة والعلم والمواعظ؛ إذ يجب توظيف هذه المنابر والوسائل لخدمة قضايا الأمة الإسلامية التي من أبرزها قضية مسلمي أراكان، وإذا كانت المسؤولية كبيرة على الدول والإعلاميين والدعاة فإنها واقعة أيضاً على أهل الأموال والخيرات؛ فأوضاع المسلمين في أراكان - وخاصة من يأوي منهم في مخيماتٍ لللاجئين- مزرية جداً؛ حيث إنهم لا يملكون أدنى مقومات الحياة، وبالكاد يجدون لقمة يصارعون بها الحياة؛ فالوضع الحالي يوجِب على أهل الخير أن يتقدموا بأموالهم ويبذلوا كل الوسائل الممكنة - وهي كثيرة بحمد الله - لإيصال المساعدات إلى إخوانهم في أراكان وإلى مَن يعيشون في مخيمات اللاجئين في دول الجوار.
ونحن حينما نتحدث عن حلول تنقذ الأراكانيين من براثن البوذية نجد أنها كثيرة لا تكاد تنحصر، وليست المشكلة في إيجاد الحلول، بل المشكلة الكبرى عندنا هي إخراج هذه الحلول من طي الأوراق إلى حيّز التنفيذ.
7. «منبر الداعيات»: هل يرقى تفاعل الأمة الإسلامية اليوم مع قضية أراكان إلى المستوى المطلوب؟
- نعم هنالك تفاعل بحمد الله مع القضية، وهنالك حَرَاك إعلامي واهتمام دولي وشعبي بالقضية، ولكن - حسب رأيي الشخصي - ألمح تراخياً كبيراً من قِبَل بعض الجهات الفاعلة في البلدان الإسلامية، كما أن على الأراكانيين دوراً كبيراً في دفع قضيتهم وتحريكها سياسياً وحقوقياً وإعلامياً عبر جميع السبل المشروعة.
8. «منبر الداعيات»: برأيكم، ما الدور المنوط بالإعلام الإسلامي تجاه هذه القضية وماذا عن وكالة أنباء أراكان ANA؟
- لعل الجميع يتفق على أن الإعلام أداة فاعلة ومؤثرة، بل يعتبر من أقوى أدوات التأثير والتحريك، وخاصة في هذه العصور التي أصبح الإعلام الرقمي والشبكي يلعب دوراً أساسياً في حياة الأمم والشعوب. ومن هنا فإن الواجب أكبر على المهتمين بالإعلام عموماً والمهتمين بالإعلام الإسلامي خصوصاً، وعليهم أن يقوموا بواجبهم في هذه القضية وإظهارها ونشر أخبارها وتداعياتها وتحريك الرأي العام حيالها، وأما وكالة أنباء أراكان ANA فهي وكالة إخبارية تتبع المركز الإعلامي الروهنجي وتهتم بنقل أخبار مسلمي أراكان بورما على وجه الخصوص وأخبار الروهنجيين في العالم على وجه العموم، وتستقي الوكالة أخبارها عبر شبكة مراسلين من مختلف القرى والبلدات في إقليم أراكان، وتسعى الوكالة لفك الحصار اﻹعلامي المفروض على هذا الإقليم وعلى شعب الروهنجيا المسلم الذي تعدّه اﻷمم المتحدة من أكثر شعوب العالم تعرضاً للاضطهاد، كما وتعمل جاهدة على تحريك الرأي الدولي والعالمي واستنهاض كل الشعوب للدفاع عن حقوق الروهنجيين في موطنهم اﻷصلي وإيقاف ما يمارس ضدّهم من اضطهاد وتنكيل، متمسكين بقول الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}.
ختاماً: نوجه الشكر للأستاذ صلاح عبد الشكور، ونذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» رواه مسلم
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن