-إعجاز القرآن في بيان أصل خلق الإنسان-
قال الله تعالى:﴿فلينظر الإنسان ممَ خلق* خلق من ماء دافق* يخرج من بين الصُلب والترائب﴾[الطارق: 5-6-7].
الصُلب: هو أسفل العمود الفقري.
التَرائب: هي الأضلاع.
إنه أمرٌ من الله تعالى للإنسان أن يدرس الموادّ الأولية التي خلق منها، وقد أخبرنا الله تعالى أننا خلقنا من ماء. فما هي صفات هذا الماء؟
* من صفاته أنه ماءٌ دافق، ومعنى دافق أنه يخرج متدفقاً على شكل قذفات وهذا ما يميزه عن ماء المذي عند الرجال والنساء، وعن ماء الودي. فالمنيّ ماء طاهر، منه خلقنا، وخروجه يوجب الغسل.
أما المذي والودي فهما سائلان رقيقان لا يتدفقان في خروجهما وهما نجسان يوجبان غسل الثوب كما يوجبان الوضوء.
* ومن صفات هذا الماء، أيضاً، أنه مهين كما ذكر الله تعالى في عدّة مواضع من القرآن منها قوله تعالى:﴿ألم نخلقكم من ماء مهين﴾[المرسلات:20]. ومعنى مهين أي حقير وضعيف.
ذلك أن حياة هذا الماء والذي يسمى الحيوان المنوي لا تستمر داخل رحم المرأة بعد الجماع أكثر من يومين أو ثلاثة أيام ولا تطول به الحياة بعد خروجه من الحويصل المنوي سوى ساعات، وكذلك بالنسبة لبويضة المرأة. والنطفة هذه لا ترى بالعيون المجرَدة لصغرها، فطول رأسها لا يزيد عن خمس ميكرونات (الميكرون واحد من المليون من المتر)، ثم إن عدد الحيوانات المنوية الخارجة في الدقيقة الواحدة يتراوح بين 300 و 400 مليون ولكن ما يصل منها إلى بويضة المرأة لا يزيد عن 500 حيوان منوي فقط، أما البقية فتموت على الطريق. ولذلك يكون الرجل عقيماً إن كانت عدد حيواناته المنوية في الدفعة الواحدة أقل من 100 مليون. أما عن سرعة هذا الحيوان المنوي المهين فإنها لا تزيد عن بضعة سنتمترات في الدقيقة الواحدة. والحيوان المنوي أيضاً لا يحتوي إلا على نصف الصبغيات الموجودة في الخلية الحيّة عادة إذ أن كل خلية في الإنسان تحتوي على ستة وأربعين (46) صبغياً (أي عنصراً هامّاً وضرورياً لاستمرار الحياة). فالحيوان المنوي لا يحتوي إلا على 23 صبغياً وكذلك بويضة المرأة فكل واحد منهما غير قادر على الاستمرار بالحياة لوحده ما لم يندمج بالآخر لهذا قال الله تعالى:﴿إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج﴾[الإنسان:2]. ومعنى أمشاج أي أخلاط من بويضة المرأة ومنيّ الرجل.
* ومن صفات هذا الماء أنه:﴿يخرج من بين الصُلب والترائب﴾.
ومن المعلوم أنّ الخصيتين في الرجل اللتين تعطيان النُطف تقعان خارج البطن أي ليس في الصُلب وأن مبيض المرأة الذي يعطي البويضة يقع أسفل البطن أي ليس في الترائب فكيف نفسر قوله عز وجل أنه (- أي الماء الذي يتكوَن منه الجنين وهو خليط من منيّ الرجل وبويضة المرأة-):﴿يخرج من بين الصلب والترائب﴾؟ والجواب على ذلك كالآتي: لقد ثبت في علم تشريح الأجنَة أن خصية الرجل ومبيض المرأة يتكونان من الحدبة التناسلية والتي تقع بين صلب الجنين وترائبه فالقرآن يرجع بنا إلى أصل تكوين الخصية والمبيض أنهما ﴿من بين الصٌلب والترائب﴾ كما أن تغذية الخصية والمبيض يبقى من بين الصُلب والترائب.
فالآية الكريمة مظهر كامل من مظاهر الإعجاز القرآني فكلمة ﴿من بين﴾ في الآية لم تأت لغرض بلاغي فحسب بل للإشارة الدقيقة العلمية المتناهية والسرّ الخفي المكنون.
والله تعالى أعلم
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن