ولد في مدينة حلب من سورية عام 1370هـ الموافق 1951م، دخل كليّة الشريعة في جامعة دمشق عام /1969/م وتخرّج فيها عام /1974/ م. عمل إماماً وخطيباً في بعض المساجد في حلب، كما عمل في التعليم في بعض المدارس المتوسّطة والثانويّة التابعة لوزارة التربية . ثمّ عمل مدرّساً في الثانويّة الشرعيّة. بعد خروجه من سورية قدم إلى المملكة العربيّة السعوديّة بتاريخ 1403هـ، وعمل في مدارس الفلاح أحد عشر عاماً ، ثمّ تركها،
بِشَارَاتُ المُتَّقِينَ في الكِتَابِ المُبين .
{إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]
مع أمواج الابتلاء المُتلاحقة في هذا الزمن، وفتن الحياة المُنتشرة شرقاً وغرباً، وغربة الدين الحقّ في قومه وبين أهله.. يشقّ على كثير من الناس تكاليف التقوى والعمل الصالح، وما لها من ثقل على النفس، وضغوط من الواقع، ويجدون أنفسهم محاطين بالبلاء من كلّ جانب، فلا يسعهم، ولا يجدون لأنفسهم ملجأً وملاذاً إلاّ أن يعودوا إلى كتاب الله تعالى، يستلهمون منه المَدد والقوّة، والخير والرشد.. وأروع ما يجد المُؤمن من ذلك، ويقوّي نفسه، ويشدّ عزيمتها، ويسرّي عنها: تلك البشائر الإلهيّة المُتنوّعة لأهل التقوى في كلّ مناسبة.. وقد جمع الإمام الفيروز آبادي رحمه الله في كتابه: « بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» جمعاً مستقصياً لتلك البشائر، وقدّم لها بمقدّمة جميلة، فقال رحمه الله: « بصيرة في الاتّقاء»: وهو افتعال من التّقوى، بجعل الشيء في وقاية ممّا يُخاف منه، هذا حقيقته. ثمّ يسمّى الخوف تارة تَقْوَى، والتقوى تارة خوفاً.
والتَّقوى في اصطلاح الشَّرع: حفظ النَّفس عمّا يُؤثِم، وذلك بفعل المأمور، وتجنَّب المَحظور. ويتمّ ذلك بترك كثير من المباحات، كما في الحديث: « الحَلال بيّن، والحرام بيّن... ومَنْ رتَع حول الحِمَى يوشك أَن يقع فيه..»، وحديث: « لا يبلُغُ الرّجل أَن يكون من المُتَّقين حتّى يَدَع ما لا بأْس به حذراً ممّا به بأْس».
ومنازل التقوى ثلاثة: تقوَى عن الشرك، وتقوَى عن المَعاصي، وتقوى عن البِدعة. وقد ذكرها الله سبحانه في آية واحدة، وهي قوله عزَّ وجلّ: {لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا إِذَا مَا اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ والله يُحِبُّ المُحسِنين} [المائدة:93].
التَّقوى الأُولى: تقوى عن الشرك، بالإِيمان في مقابلة التَّوحيد.
والتَّقوى الثانية: عن البدعة، والإِيمان المَذكور معها إِقرار السنَّة والجماعة.
والتقوى الثالثة عن المَعاصي الفرعيّة، والإِقرار في هذه المَنزلة يقابلها بالإِحسان، وهو الطَّاعة والاستقامة عليها.
وقد وردت التَّقوى في التنزيل على خمسة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى الخوف والخشية: {اتّقُوا رَبَّكُمُ} [الحج:1].
الثَّانى: بمعنى التحذير والتخويف : {لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقونِ} [النحل:2].
الثَّالث: بمعنى الاحتراز عن المَعصية: {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا واتّقُوا اللهَ} [البقرة:189].
الرّابع: بمعنى التَّوحيد والشِّهادة: {.. وَألزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا...} [الفتح:26]، وقوله تعالى: {اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70]. أَي: وحّدوا الله تعالى.
الخامس: بمعنى الإِخلاص واليقين: {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ} [الحج:32]، {أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} [الحُجُرات:3].
وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتّقينَ} [المائدة:27]، يُشْعِر بأَنَّ الأَمرِ كلَّه راجع إِلى التَّقوى.
وقوله تعالى {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتقوا الله} [النساء:131]، يُفهِم أَنَّه لو كانت في العالم خَصْلة هي أَصلح للعبد، وأَجمع الخير، وأَعظم للأَجر، وأَجَلّ في العُبوديّة، وأَعظم في القدر. وأَوْلى في الحال، وأَنجح في المآل من هذه الخَصْلة، لكان الله سبحانه أَمر بها عباده، وأَوصى خواصّه بذلك؛ لكمال حكمته ورحمته. فلمّا أَوصى بهذه الخَصْلة الواحدة جميعَ الأَوّلين والآخرين من عباده، واقتصر عليها، علمنا أَنَّها الغاية الَّتي لا متجاوَز عنها، ولا مقتصر دونها، وأَنّه عزّ وجلّ قد جمع كلّ محض نُصْح، ودلالة، وإِرشاد، وسُنَّة، وتأْديب، وتعليم، وتهذيب في هذه الوصيّة الواحدة، والله ولىّ الهداية. (2/116).
يقول الله تعالى: {وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيرًا} [الأحزاب:47].
فالمُؤمنون المُستحقّون للبشارة هم أولو الألباب، أهل الإيمان والتقوى، الذين قام إيمانهم على العلم والخشية لله تعالى، وتدثّرت حياتهم بالعمل الصالح: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُم} [محمد:17].
ثمّ عرض العلاّمة الفيروزآبادي بشائر القرآن للمُتَّقِينَ، واستدلّ عليها بآيات الله تعالى، فقال رحمه الله: « وأَمّا البِشَارَات الَّتي بشَّر الله تعالى بها المُتَّقِينَ في القرآن:
فالأَولى: البشرى بالكرامات: {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ البشرى.. ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [يونس:64].
الثانى: البشرى بالعَون والنّصرة: {إِنَّ الله مَعَ الذينَ اتّقَوا} [النحل:128]. وهي معيّة العون والنصرة والتأييد.
الثَّالث: الإمداد بالفرقان بين الحقّ والباطل، والعلم والحكمة: {إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال:29].
الرّابع: البشرى بكفَّارة الذّنوب، وتعظيم المُتّقي بتعظيم قدره: {وَمَن يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5].
السّادس: الوعد بالمَغفرة الرحمة: {واتّقُوا الله إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنفال:69].
السّابع: الوعد باليُسْر والسّهولة في الأمُور: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4].
الثَّامن: الخروج من الغمّ والمِحنةِ: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2].
التَّاسع: الوعد بسعة الرزق مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ المُؤمن: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3].
العاشر: النَّجاة من العذاب، والعقوبة: {ثُمَّ نُنَجِّي الذينَ اتّقَوا} [مريم:72].
الحادي عشر: الفَوزُ بالمُراد: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزُّمَر:61]، {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} [النبأ:31].
الثاني عشر: التَّوفيقُ لأَبواب الخير والبرّ، والعِصمةُ من الشرّ: {ولكنّ البرّ مَنْ آمَنَ باللهِ واليومِ الآخِرِ} إِلى قوله: {وأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} [البقرة:177].
الثالث عشر: الشهادة لأهل التقوى بالصدق: {أولئِكَ الذين صَدَقُواْ وأولئِكَ هُمُ المُتّقُونَ} [البقرة:177].
الرابع عشر: البشارة بالكرامة والأَكرميّة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} [الحُجُرات:13].
الخامس عشر: البشارة بحبّ الله للمُتّقين: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتّقينَ} [التوبة:4].
السّادس عشر: البشارة بالفلاح، وهو معنى جامع لثمار البرّ: {واتّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة:189].
السّابع عشر: نَيلُ الوصَالِ، والقُربِ: {وَلَكِن يَنَالُهُ التّقوَى مِنكُمْ} [الحج:37].
الثامن عشر: نَيلُ أحسن الجزاء بالصبر على المِحنة: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحسِنِينَ} [يوسف:90].
التَّاسع عشر: قبول الصّدقة والأعمال الصالحة: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المُتّقينَ} [المائدة:27].
العشرون: الصّفاء والصّفوة لتعظيم شعائر الله: {فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القلوب}[الحج:32].
الحادى والعشرون: كمال العبوديّة لله تعالى: {اتّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:102].
الثانى والعشرون: الجزاء بالجنَّات والعيون: {إِنَّ المُتّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحِجر:45].
الثالث والعشرون: الأَمن من البَليّةِ: {إِنَّ المُتّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51].
الرابع والعشرون: عزّ الفَوقيّة على الخَلْق في الآخرة: {والذينَ اتّقَوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ} [البقرة:212].
الخامس والعشرون: زَوالُ الخوفِ والحزنِ، والأمنُ من العقوبة: {فَمَنِ اتّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف:35].
السادس والعشرون: الأَزواج المُوافِقة المُسعدة في الآخرة: {إِنَّ لِلمُتَّقِينَ مَفَازاً} إِلى قوله تعالى: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:33].
السّابع والعشرون: القُرب من الحضرة الإلهيّة، واللِّقاءِ والرّؤية: {إِنَّ المُتّقينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر:55] ». {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22ــ23].
وختاماً: يقول الإمام المُحاسبيّ رحمه الله: وَاعْلَم أَن مَا يصل العَبْد إِلَيْهِ من الفَهم بِقَدر تقويم عقله، وموجود علمه، بتقوى الله وطاعته..
فَمن وهب الله لَهُ العقل وأحياه بِالعلمِ والإِيمَان، وبصّره بِاليَقِينِ عُيُوب نَفسه، فقد نظمت لَهُ خِصَال البرّ فاطلب البرّ فِي التَّقْوَى، وَخذ العلم من أهل الخشية، واستجلب الصدق بمباحث الصدْق فِي مَوَاطِن التفكر..
ويقول أيضاً: وَاعْلَم أَنه لَا طَرِيق أقرب من الصدق، وَلَا دَلِيل أنجح من العلم، وَلَا زَادَ أبلغ من التَّقْوَى..
وَبعد؛ فإنّ تحصين قلوب الناشئة بتقوى الله تعالى، القائمة على الحبّ والبشارة برحمته الله وفضله.. هو خيرُ مَا يعتمده الآباء وَالأمّهات والمُربّون من أَساليْبَ في التربية القويمة، لينشأ الأطفال والناشئة على حَصانة ذاتيَّة، تغنيهم عن أيّة رَقابة خارجيّة.. وإنّ المَقصد الأكبر الذي تقوم، وتبنى عليه العبوديّة لله تعالى هو التقوى بمعناها الواسع الكبير، وحقائقها الشاملة، ورأسُ التقوى أن يُخشى الله ويُتّقى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكَر ولا يُكفَر، ويُطاعَ ولا يُعصى..
فينبغي أن يَقترنَ كلّ توجيه، وكلّ أمر ونهي بتقوى الله تعالى وابتغاء مرضاته، فهي سرّ الثبات على الحقّ، والاستقامَة على دين الله تعالى، وهي التي تعطي للعمل الصالح لذّة، لا تقاس بها لذّة، لأنّها روح العمل الشفّافة السامية..
اللّهم إنّا نسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى، وَاجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا.
والحمد لله رَبّ العَالمِينَ.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن