خَسِئتَ يا عابد البقر
مِن (أبيس) عِجْلِ الفراعنة، مرورًا بعِجْلِ بني إسرائيل، إلى بقرة معبود الهندوس "كْرِشْنا"، ومجدِّد تقديسها "غاندي": دعواتٌ بَقَرِيَّةٌ لم يستنكف أهلها أن يُجافوا بعقولهم جانبَ الصواب، وقد بنَوا أهراماتٍ، وحازوا قَصَبَ السَّبْقِ في هَندسةٍ، وطبٍّ، ومنطقٍ، وأعملوا عقولَهم مكرًا - وما زالوا - يحكمون بلادًا بمكرهم، ويَسُوسُونَ به أُمَمًا.
أقول: يا بُنَاة الأهرام، ومؤسِّسي الطبِّ، ويا هِنْدوس الرياضيات، وتقنية البرمجيات، ويا أصحاب المحافل، وحكماء البروتوكولات، ويا يهود صهيون، هل غلبكم جميعًا عِجْلٌ قدَّستموه، وبقرةٌ درَّت عليكم لبنًا، حتى رأيناكم في الألفية الثالثة تُلطِّخون ثيابكم - بكلِّ اعتزاز - برَوْثِ بقرٍ، وتمرِّغون وجوهكم بأبوالها، حتى إذا ماتت طيَّبتموها لنَتَنِ جِيَفِها، وكفَّنتموها، ثمَّ جعلتموها في دخان خشب صندل، تقرؤون على أرواحها ترانيمكم!
هذا حالُ عابدِ البقر "نافين كومار" وسيِّده "ناريندا مودي" وقد نال الأوّل من جناب سيِّد الأوَّلين والآخِرين صلّى الله عليه وسلم، وأقرَّه سيِّده على شنيع فِعْلَتِه، ثمَّ مَنَعَتْه حكومته حتى من الاعتذار.
وإنْ تعجب فعَجَبٌ سكوت عقلاء البشر ومفكِّريهم - سواءٌ المُنصِف منهم والمُتَحامِل - من شتَّى المِلَلِ والنِّحَل، بل حتى سكوت أهل الإلحاد الذين أصمُّوا آذاننا بحُججهم الواهية، يُريدون بذلك نقضًا للأديان كافَّة. صَمَتَ الجميعُ عن تقديس أُناسٍ بمئات الملايين لبقر، حتى إذا جاء دور أهل الإسلام الذين سَمَوْا بالأرواح، وأعملوا العقول، وحكَّموا المنطق، وأكرموا الإنسان، وخلَّصوا البشريَّة من وثنية الحجر والبشر، وعبَّدوهم لربِّ البشر، عندئذٍ استشعر أولئك ومَن على شاكلتهم خطرًا وجوديًّا داهمًا يتهدَّدهم، فلم يكن سرًّا عندهم أنَّ مَن أوتيَ الوَحيَيْن: القرآنَ والسُنَّة، هو مَن أذْعَنَ لعلمه أولو الألباب، وانجذب إلى حبِّه أحياء القلوب، وتنافس في اللَّحاق برَكْبِه أولو الإنصاف.
إذًا فلا بُدَّ من توجيه كلِّ جهدٍ لاحتواء ما جاء به، فلمَّا أعْيَتْهم الحيلةُ الماديَّة قرونًا متطاولة: في اضطهاد أتباعه، عمدوا إلى تحريق المصاحف، فإذا بأهلها أشدُّ تمسُّكًا بها! ولمّا هدموا المساجد بنى أهلها مزيدًا منها، ولمّا أطلقوا عِنانَ غوغائهم بعنفٍ مُمنهجٍ لم يَزْدَدْ المضطهَدون إلَّا ثباتًا.
عجزوا بذلك كلِّه عن كبح جماح ظهور الإسلام، فلم يكن لهؤلاء إلَّا البدء بالنَّيل من صاحب الرسالة المُعظَّم؛ تشكيكًا برسالته، وبكتابه، وبشخصه المكرَّم صلّى الله عليه وسلم، فكان سلمان رشدي وآياته الشيطانيَّة، وكان الدنماركيّ "كورت فيسترجارد" ورسومه المسيئة، وصِنْوُه السويديُّ "لارش فيلكس" الذي إنتهى متفحِّمًا ولله الفضل والمنَّة {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}، حتى طالعنا مؤخَّرًا عابد البقر نافين بالمسمَّاة زورًا "تغريدة" يسمِّي الزواج فيها اغتصابًا، ويعرِّض بأُمِّنا أُمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها؛ لتزوُّجها في سنٍّ مبكِّرة.
ولعلَّنا نشهد في قابل الأيام مزيدًا من مخازي هؤلاء؛ فإنَّ مَن ألغى عقلًا، وجانَبَ منطقًا، وأعمى بصيرة، وحكَّم حقدًا لا يُتوقَّع منه إلَّا هذا؛ فمِن معدنه لا يُستغرب الشيء. ولكنْ كيف تجرَّأ هذا وأمثاله على اقتراف خطيئته تلك، والمسلمون قد قاربوا المليارَين من الأنفس؟! أفلا يخشى هذا أن يعلنوها حربًا بلا هوادةٍ على بني ملَّة هندوس، فيُحرقوا أخضرهم ويابسهم ؟! أو يضرب الملياران جميعًا بأرجلهم الأرض فتهتز تحت قدميه؟!
هو لا يخشى ألبتَّة ذلك، بل هو مرتاح البال خالي الهمِّ؛ فإنَّ بعض مَن يواجه يجمعون كَهَنَته على مائدة إفطارٍ رمضانية! يستقبلونهم استقبال خنوعٍ وتبجيل، هم وأشكالهم، في صورة تسامحٍ سخيفٍ لم تشهد البشرية نظيرًا لها. والحال أنَّ غير المؤمنين ولا الصائمين يقولون: تسامحوا أنتم ما شئتم، ونحن نُنَكِّل بكم ما شئنا!
يا أُمَّة الإسلام: إنَّ جناب نبيِّكم المُعظَّم صلّى الله عليه وسلم، يستأهل منكم بذل المُهَجِ والأرواح، وأنتم تكتفون بمقاطعة بضائع، أو بيانات إدانة، أو استدعاء سفراء للاحتجاج، مع كتابة تعهُّدٍ بعدم تكرار ذلك!
يا أُمَّة الإسلام: أَرَضِيْتُم أن تكونوا قَصْعَةَ الأَكَلَة؛ تتناولكم الأُمَم صفوًا من غير كَدَر، وراحةً من غير تعب؟!
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!