دكتوراه لغة عربية ودراسات إسلامية | لبنان
المذهب المالكي (كنز تأخر اكتشافه)
عندما كنت أطلب العلم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زرت فقيه المملكة الشيخ محمد محمد المختار الشنقيطي، وأخبرته بأني شافعي المذهب وأنني ألقى عنتًا في التمسك بأحكامه؛ فقال لي لو كنت سألزم الناس بمذهب لألزمتهم بمذهب الإمام مالك رحمه الله لكثرة الأقوال فيه...
فرجعت من عنده مغتبطًا بمقالته.. ولكن،
بعد أن زادت قراءتي في كتب الفقه فوجئت بمستوى الرقي الإنساني، الذي يظهر جليًّا في الفقه المالكي، وصرت أتذكر مقالة الشنقيطي الذي لا أرضى بمجرد مقارنتي به؛ فهو فقيه أفيق دقيق وأنا طالب علم، ولكن ما زلت متفاجئًا من قوله، حيث إن الشناقطة مالكية في الغالب وكنت أتوقع أن يقول كلامه هذا عن المذهب المالكي، وأنا الآن أستطيع أن آخذ مقولة الشيخ الشنقيطي لأقول لو كان لي أن ألزم الناس بمذهب لألزمتهم بمذهب الإمام مالك.
لقد رأيت فيه نظرًا عميقًا، وفقهًا دقيقًا، وحسًّا رقيقًا.
مع أنني أصبحت بعد تخرجي ملتزما بفقه الدليل، ومستفيدًا من كل التراث الفقهي الواسع الشامل المدهش متجاوزًا المذاهب الأربعة إلى فقه بعض الصحابة، وأئمة التابعين ومذهب داوود وجعفر وزيد بن علي وغيرهم لكن ما زلت مأخوذًا بفقه المالكية...
أنظر إلى رأيهم في مسألة النجاسات، تجد مذهبهم أكثر المذاهب تيسيرًا على العباد.
أنظر إلى قولهم في ولوغ الكلاب والتطهير منها، تجد مذهبهم رافعًا حرجًا عن المكلفين..
أنظر إلى رأيهم في بناء الكنائس واستحداثها، تجد مذهبهم أوفق لحقوق الإنسان.
أنظر إلى رأيهم في مسألة حق الحياة لكل البشر مهما كانت مللهم ونحلهم، تجد مذهبهم أليق بالحرية الفكرية.
ونحن في زمن الاستضعاف، وكأننا على الثغور التي نهينا فيها عن إقامة الحدود حتى لا يفر المسلم إلى دار الكفر... فإننا نحتمي بفقه الإمام مالك لنقول لكل من يتهم الإسلام بأننا ومن فقه الإسلام، استطعنا أن نتيح الحرية لكل الناس.
كما نستطيع أن نقول بأن فقه الإمام مالك في باب الطهارة والنجاسة، قد شكل متسعًا يرفع الحرج والمشقة عن أكثر المسلمين...
وعليه فلم يكن عجبًا أن يحمل العلماء على الإمام مالك قوله صلى الله عليه وسلم، يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة.
كما لم يكن عجبًا أن يتمذهب بمذهب مالك أهل الأندلس أهل الرقي والتحضر...
وأيضًا مرة ثالثة لم يكن عجبا أن يكون أئمة كبار في الإسلام، متمذهبين بمذهب الإمام مالك ومن أشهرهم الباقلاني وابن عبد البر حافظ المغرب والقاضي أبو بكر ابن العربي والفيلسوف ابن رشد والحافظ عبد الوهاب ابن نصر والمازري، والقرطبي والقاضي عياض والآمدي وابن عطاء الله والقرافي المصري وابن خلدون، وغيرهم من فحول الإسلام...
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة