نحو حياة زوجية مثالية.. لا مثلية
قضىت سنّة اللّه تعالى في خلقه، وجود الزوجية في كل ما أودعه اللّه سبحانه وتعالى، في الكائنات لتصل إلى الأشياء الجامدة غير العاقلة فيها، استنادًا لقوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
وهذا التعميم للزوجية في الكون، يساهم في تحقيق وتنظيم أكثر الضرورات الحيوية، المتعلقة بالأشياء المستفاد منها في حياة الناس اليومية كالكهرباء مثلاً، والتي تحتاج الإنارة فيها إلى سالب وموجب من الأسلاك، ولو أنه لم تكن على مثل هذا التزاوج المؤدي لغرضه المطلوب لأدى ذلك إما لعدم الانتفاع كليًّا وإما إلى الاحتراق والانفجار.
ونحن ما يعنينا من مثال الزوجية إنما هو التوجه به نحو العقلاء، وإبراز الغاية الطبيعية في تحقيق إحدى الغايات الكبرى من الوجود الإنساني برمته، من الزوجية الأولى في خلق آدم وزوجه، وما نتج عنها من التكاثر، وعمارة الأرض وهو ما بيّنه القرآن في إحدى آياته في أوضح بيان في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، ومع أن غاية خلق الإنسان وشريكه في التكليف الجن إنما هي العبادة لقوله تعالى: {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون}،نقول مع وجود هذه الغاية الفضلى.
فإن الوسيلة لتحقيقها لا يكن إلا بعمارة الكون عبر الزوجية، وما ينتج عنها من تكاثر وتناسل، وإذا ما قدر لأحد أن يخالف هذه القوانين والنواميس الربانية في الوجود على الأرض للمخلوقات وغاياته، فإنّ ما سيصل إليه إنما هو التضاد والصدام مع مقومات الفطرة السليمة وغاياتها النبيلة.
والسؤال هنا، هل الغاية من الزواج إنما هو التكاثر لذاته؟ أو مجرد قضاء الوطر والشهوة من دون الوصول إلى ما هو متقدم في ذلك من الحاجات اللائقة بمقام الإنسان خليفة اللّه في أرضه؟ والجواب، على ذلك نجده في قوله تعالى: {وَمِنْ ءَايَٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ}، ومن هنا يمكن القول أن الزواج ليس غاية بحد ذاته، وما ينتج عنه من توالد وتكاثر في ظلال الأسرة، لولا أن هناك مقاصد منه ذكرتها الآية، وهي ثلاث: السكن، والمودة، والرحمة، ولو غابت هذه المقاصد أو غاب جلّها لكان مصير البيت الزوجي الخراب ولو نتج عنه جيش جرّار من المواليد.
والسؤال هنا عن الوجه الآخر للزواج المخالف لطبيعته، والذي يسير به أصحابه كمثل قطار يسير على سكة واحدة، ليس فيها زوجين من القضبان الحديدية؛ فإنّ مآله أقله التوقف عن المسير إن لم يرتطم، ويصطدم قبل وصوله المحطة المطلوبة وأصحاب السكة الواحدة في إطار الزواج، إنما هم دعاة المثلية وليس المثالية في زواجهم، قصدت بهم من يدعون إلى الزوجية بين أبناء الجنس الواحد، وهو ما يعني صراحة استغناء الرجال بالرجال والنساء بالنساء.
وتسمية مثل هذا التزاوج القبيح، بأنه زواج مثلي إنما هو تجميل وتلطيف لاسمه الشاذ، وغاياته المنحرفة، وليس مثل هذا التحريف في الأسماء على أصحابه بجديد، فهم يستوحون مما يوحيه إليهم الشياطين من الجن والإنس معًا زخرف القول غرورًا، واطلاق اسم المشروبات الروحية على الخمور، واسم الفوائد على الربا، واسم الفن الراقي على المجنون والخلاعة عما قصدنا ببعيد، ولما كان لنا في التاريخ وقصص الأقدمين عبرة وعظة؛
فإن خير ما يمكن الرجوع إليه، والاستشهاد به هو ما أخبر به ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث أنه قد مر في التاريخ البشري خبر قوم من الأقوام وقع الرجال منهم في مفسدة عظيمة وكانوا رواداً فاسدين لها وهذه المفسدة إنما كانت في استغناء الرجال بالرجال وتركهم ما أحل اللّه لهم من الجنس الآخر، وقد أسهب القرآن في ذكر حال القوم المفسدين، الذين ردوا على دعوة نبيهم لوط عليه السلام، بترك هذه الطريقة الشاذة في مسيرة حياتهم الزوجية، فقالوا ما أخبر القرآن به {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍۢ مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ}، فكان ردهم عليه ما أخبر القرآن به: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
إنها صفات أرباب الرذيلة، في كل زمان ومكان، يستهترون بمن يريد أن يطهرهم، من رجس أقذارهم، ويجدون الطهارة في أدران قاذورات ما يفعلون مما سوّل لهم وأبدى الشيطان وقد أنزل اللّه تعالى عذابه الأليم بهم، وجعلهم عبرة ومثلًا للآخرين، قال تعالى بحق قوم لوط {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ}.
فقد اقتلع جبريل عليه السلام بطرف جناحه لمدنهم الخمس، ورُفعوا معها إلى السماء بكل حجر وشجر وحيوان يسكن معهم، حتى سمعت الملائكة أصوات ديَكهم ونباح كلابهم، ومن ثم أعيدوا إلى الأرض، حصيداً خامدين، وأمطرت السماء عليهم حجارة من أصل الجحيم فكانوا مثلاً ينبغي أن يتفكر به الآخرين في قوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}، ذلك أن سنن اللّه تعالى لا تتبدّل ولا تتحوّل لقوله تعالى: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}، وما قد جرى لقوم لوط وأشباههم يمكن على من يمشي حذوهم، ويضع شرك نعله مع نعالهم لقد نتج عن الحضارة الغربية المعاصرة الكثير من الإيجابيات والسلبيات، ومن أعظم وجوه الفساد فيها مثل تلك الدعوات الشاذة المنحرفة التي ارتكبها القوم في بلادهم، بعد أن ألقَوا بتعاليم رهبانهم بعيدًا، وقالوا قولتهم المشهورة الفاسدة أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه.
ووجدت بلادنا المسلمة التي تخضع للحكم البعيد عن منهج دين اللّه، ملاذًا آمنًا لكل داع لحضارة القوم الزائفة، ومروّجًا أمينًا لها، وفي بلدنا تحديدًا ظهرت في الآونة الأخيرة، موجة عارمة من الدعوات من حفنة من المثليين والمثليات إلى أن ينالوا ما سمّوه حقهم المشروع في الدعوى والحرية، لما يرتكبوه من عظيم الإثم، والفواحش تحت ستار الحرية الشخصية ووجدوا لهم مرتعًا خصبًا من الذين انبروا عبر وسائل الإعلام المسمومة إلى مناصرتهم، وحمل رايتهم السوداء على رؤوس الأشهاد.
وبالمقابل قيّض اللّه تعالى، من العلماء الأمناء، ومن الدعاة العاملين الأتقياء من تصدوا بكل قوّة وجرأة لهذه الدعوات الخبيثة، التي لا ينتج عنها إلا الخراب الخُلقي والدمار الاجتماعي، وإشاعة المنكر بين الناس إنّ خلاصة ما يمكننا حصره مما تقدّم ذكره أن اللّه عز وجل، هو أعلم بما يصلح عباده وما يصلح لهم ولم يخلق اللّه الزوجية لتكون مضادة لمسيرتها الطبيعية ولتصطدم بما يخالف الفطرة السوية لها.
وليسأل دعاة المثلية أنفسهم عن آبائهم وأمهاتهم، هل جاؤوا بهم إلى الدنيا عن طريقة ما يدعون له ويروجون إليه؟ إنهم بدعوتهم الشاذة هذه إنما يدمرون أنفسهم، وبني جنسهم ويخافون الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها بحياة ينبغي أن تكون مثالية لا مثلية، ولا يفصل في معناها حرف ناقص، وإنهم في ذلك الانحراف عن الطريق السوي يضاهون البهائم؛ بل ويسابقونها في إرواء غرائزهم وشهواتهم، حيث أن تلك الأنعام قد تكتفي بما أودعها اللّه تعالى، من غريزة فتستعملها في مكانها الصحيح للإنجاب، والتوالد وبذلك تصبح أكثر إنسانية من دعاة المثلية الحيوانية.
نسأل اللّه تعالى أن يبصرنا بأمر ديننا ودنيانا، وأن يلهم من انحرفوا وزاغت بهم الأبصار عن رؤية الحق، فيرَوا أمر صوابهم ورشدهم ويقودهم إلى جادة الحق واللّه المستعان. والحمد لله رب العالمين
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة