سمير وصندوق التخرج
التاريخ:
فى : شباب بنات
1178 مشاهدة
هدوءٌ مُطبِق خيَّم في المكان، وصمتٌ رهيب لفَّ ألْسنةَ الأنام، القلوب بلغتِ الحناجر، والكلمات لم تَعُد تُسعِفُ أحدًا، أَزِفَتْ الآزفة، وتسمَّرتِ الأجساد تنتظر اللحظةَ الحاسمة، فالموقف مَهول، يستدعي الذهول.
لا، لا يا قرَّائي الأعزاء، هذه ليستْ أهوالَ يومِ القيامة، بل هو يوم التخرُّج من الجامعة.
لَبِثَ الهدوء هُنيهة ثم انكسر، وانشقَّ الصمت عن أفواه انفجرتْ بالصراخ مهللةً بالنجاح، وبلحظاتٍ رائعة لا تُمحَى مِن الذاكرة.
في تلك اللحظة يحصد الطلاَّبُ نِتاج عملٍ وَكدٍّ دام خمس سنين، ينسَوْن معها كلَّ العراقيل والعقبات التي واجهوها، ونموا بها، وكَبِروا بالصبر عليها وتحمُّلها، ينسَوْنها بمجرد صعودهم إلى المنصَّة لاستلام الشهادة أمامَ الأهل والأصدقاء.
ربما تتساءلون الآن: ما قِصَّة سمير؟ وما قصَّة الصندوق الذي معه؟
صبرًا إخواني وأخواتي الشباب، فها هي القصَّة قد بدأت أحداثُها الآن.
صبرًا إخواني وأخواتي الشباب، فها هي القصَّة قد بدأت أحداثُها الآن.
"مبارك، عقبال الشهادة الكبيرة، إن شاء الله تتحقَّق لك فرصة عمل جيِّدة..." كلمات نسمعها من الأصدقاء والمحبِّين، ومِن الدكاترة والمعلِّمين، الذين أرهقناهم بمشاكلنا، وأتعبونا في مسيرتنا، الكلُّ سعيد، في فرح ومرح.
مهلاً، أليس هذا سميرًا؟ بلى، إنَّه هو سمير، لكن ما به؟ ماذا حصل؟ فسميرٌ الذي عرفناه شُعلة مِنَ النشاط والحيوية، قِمَّة في الذكاء (والفهلوية)؛ لماذا أراه مقطَّب الوجه، كئيب الحال؟! ما هكذا عهدناه!
سمير، يا سمير، مبارك التخرُّج درستَ واجتهدتَ، فاستحققْتَه.
أحمد، رجاءً لا تُثقِل كاهلي، فأنا تعبان، وفي نفس الوقت ثُعبان.
أحمد، رجاءً لا تُثقِل كاهلي، فأنا تعبان، وفي نفس الوقت ثُعبان.
ما بك يا سمير؟ قل لي ما بك، ما لي أراك عابسًا؟ ألأنَّ والدك لم يتمكنْ من الحضور؟ عذرُه معه، فهو في شُغُل دائم.
لا يا أحمد، ليس هذا هو السبب.
لا يا أحمد، ليس هذا هو السبب.
سمير، قلْ لي ما بك، لقد أوقعتَ قلبي من قفصي، وبات يسرح بين قدمي.
رُويدكَ يا أحمد، ألم أقل لك إنَّني متعب، أنتَ فعلت، أنا، لا أعرف الصندوق.
رُويدكَ يا أحمد، ألم أقل لك إنَّني متعب، أنتَ فعلت، أنا، لا أعرف الصندوق.
ماذا تقول؟ قل كلامًا مفهومًا.
حاضر يا أحمد، سوف أبثُّ لك شكاتي، عسى أن يُنفِّثَ الله كُربتي، ويَنصلح حالي، وأرتاح مما أهمَّني وأغمَّني.
حاضر يا أحمد، سوف أبثُّ لك شكاتي، عسى أن يُنفِّثَ الله كُربتي، ويَنصلح حالي، وأرتاح مما أهمَّني وأغمَّني.
قل رجاءً وبسرعة، لم أعدْ أحتمل، ما بك؟القِصَّة وما فيها هي أنَّني صعِدتُ إلى المسرح لأستلمَ شهادتي، فإذا بشريط السنوات الخمسِ التي عشتُها في الجامعة يمرُّ أمامي كأنَّني أراه الآن، تأملتُ في أحداثه مليًّا، فلم أجد فيها شيئًا يسرُّ خاطري، ويُرضِي خالقي، لطالما قلت: غدًا سوف أفعل، غدًا سوف أتغيَّر، لعلِّي سألتحق، هذا وقت المرَح واللهو، عليَّ أن أعيشَ حياتي، فأنا لا زلتُ صغيرًا على "حركات" المتدينين، وطريق الالْتزام، لكن هيهات! كم كنتُ سخيفًا يا أحمد!
لقد ضيعتُ حياتي يا أحمد، ضيعتُها في الدنيا، وضيعتُها في الآخرة؛ والمصيبة أنَّ الفرصة كانت سانحةً لي، والأبواب مشرعةً أمامي، لكنَّني آثرتُ وعزمتُ أن أبقَى مِن رعايا الشيطان الوسواس، أمينًا على وسوسته، كانت مرافقة زملاء اللهو ورفقاء السُّوء أشدَّ وقعًا على قلْبي من مرافقة رفقاء المسجد!!
خمسُ سنين اندثرتْ وطوتْها ذكريات الجامعة، تناثرت مثل أوراق الشَّجر، وحطَّت في خريف أيامي، لا أعرف ماذا سأقول لربي وأنا واقفٌ بين يديه حين أُسأل عن أعمالي؟!
أأقول: لقد ضيعتُ الصلواتِ لأجل رفقاء دنيا يريدون لاعبًا على طاولة الورق، حتى انقلبتِ الطاولة على صاحبها؟!
أم أقول: إنَّني تخلَّفتُ عن نُصرة إخواني المسلمين، واستهنتُ بقضاياهم، ولم أفكر في خدمة إخواني؛ لأنني ضيِّق الوقت، مشغول بما شَغَل عمري، حتى رأيته يضيع مِن بين يديّ؟!
أم أقول: إنَّني تخلَّفتُ عن نُصرة إخواني المسلمين، واستهنتُ بقضاياهم، ولم أفكر في خدمة إخواني؛ لأنني ضيِّق الوقت، مشغول بما شَغَل عمري، حتى رأيته يضيع مِن بين يديّ؟!
نادم لأنني لم أقترفْ عملاً صالحًا في شبابي، ولأنني لم أكسبْ حسنة في حياتي، مع أنَّ ذلك كان في وسعي، انظر إلى دَجَلي يا أحمد، لا تُبعد نظرك عني، ابْصُقْ على وجهي إذا أردت!! فقد كنت أدَّعي محبَّة الله ورسوله، وأنَّني من المسلمين، لكنني اكتشفتُ حقيقتي، وهي أنني من المفلسين، لطالما سَخِرْتُ منكم عندما كنتم تذهبون إلى المسجد؛ بل كم تهرَّبتُ واختلقتُ الأعذار عندما كنتَ تدعوني إلى الملتقيات لدعْم ونصرة الرسول، أمَّا الدورات الشبابيَّة الثقافية التي تقيمونها فكنتُ أعتبرها هدرًا لوقتي الثمين، تُفٍّ "لهذا الوقت الثمين"! بل الأنْكى من ذلك أنني كنتُ أنشرها بين الشباب الضائعين مثلي.
أنا السخيف، عديم الفائدة، آهٍ لو أرجع إلى السَّنة الأولى، خمس سنين إلى الوراء فقط، واللهِ لن أضيِّع ثانيةً من وقتي دون أن أقضيَها مع أحباب الرحمن، الآن يا أحمد فطنتُ أنَّ العمل الصالح، ورفقة الأنقياء الأتقياء هو الباقي لي في دنياي، وأنه لن يدخل صندوقي إلاَّ عملي، آهٍ يا صندوقي، كم ستُظلِم عليَّ!!
أحمد، هل أنت معي؟ لماذا أنت شاردٌ هكذا؟ رحم الله والديك، وحفظ عقلَك الذي بين منكبيك، أرشدِني، ماذا أفعل؟ أشعر بظلمةٍ تملأ قلبي، وحسرة وندم يلفُّ خاطري.
هل حقًّا سمير هو الذي كان يتكلم؟!
هل حقًّا سمير هو الذي كان يتكلم؟!
في ثوانٍ معدودات جمعتُ أفكاري المشتَّتة ولملمتُها، وقلت: لا تحزن يا أخي سمير، بل قلِ الحمد لله أنَّك فطنت وصحوت من غفوتك قبلَ فوات الآوان، ما زلتَ شابًّا يا سمير، اعمل في سبيل الله إذا خرجتَ مِن الجامعة، بل قد تكون تجرِبتُك أكثرَ تأثيرًا في نُصح الشباب الذين غرَّتْهم الحياة الدنيا، وفَتَحَتْ لهم أذرعَ الحبِّ الوهمي، وغررتهم بسرابٍ لا يروي عطش أرواحهم ونفوسهم.
أرحتُ بالي وفضفضتُ ما بداخلي، لكنَّني أريد أن أوصل صَوْتي لكلِّ الضائعين الذين كانوا يفعلون كما أفعل، وأريد أن أقول لهم: الصندوق ينتظر منك عملاً للآخرة، ففكِّر بما سوف تُنْزل معك.
سامحني يا أحمد، فقد كنتُ أصدُّك يومَ كنتَ تدعوني إلى الصلاة في المسجد، سامحني بقدْر ما تستطيع، عذرًا يا أخي، لقد أنساني همِّي أن أُبارِك لك في نجاحك وتخرُّجك.
إلى أين يا سمير؟
عندي مشوار مهم.
إلى أين يا سمير؟
عندي مشوار مهم.
سامحني، سامحني.
ظلَّ يرددها وهو يبتعد عن ناظريَّ، وأما أنا فرددتُ في نفسي، والبسمة تعلو وجهي: تهانينا يا سميرُ، لقد وُلِدتَ اليوم، وها أنت قد سلكتَ طريق الرُّشْد والصلاح.
زملائي، كلُّ نفس ذائقةُ الموت، نعم لا تخافوا يا قرَّائي الأعزاء، كلٌّ منَّا ذائقها؛ وإنَّ بقاءك في الدنيا ليس طويلاً، أنت وحدَك تستطيع أن تحدِّد طعمها، فحلاوتها العمل الصالح والاجتهاد فيها، ومرارتها العمل السيِّئ والإعراض عن الله.
قصةُ سمير هي قصة معظم شباب الجامعة اليوم، فإذا كنتَ مِثلَ سمير، فاسمعْ نداءً وجَّهه إليك منذ قليل؛ لأنه بين يديك الآن، ومسؤوليتك في أن تحدِّد خارطةَ طريقك، وتبني جدارًا عازلاً بينك وبين الفساد، قم ابحث عن إخوة مؤمنين؛ لتصطفَّ معهم، وتلحق بركبهم.
فإذا أردتَ أن تعثر عليهم توجَّهْ إلى أقرب مسجد لتعرفَهم؛ لتكونَ من الناجحين في الدنيا، والفائزين في الآخرة.
آهٍ منك يا سمير، لقد خَطفتَ فرحتي في يوم التخرُّج، لكنك ذكَّرتني بقضاء الله، وشكرت الواهب الذي أنعم عليك بالهداية التي نتمناها لكلِّ الشباب، فشكرًا مِن القلب لك.
آهٍ منك يا سمير، لقد خَطفتَ فرحتي في يوم التخرُّج، لكنك ذكَّرتني بقضاء الله، وشكرت الواهب الذي أنعم عليك بالهداية التي نتمناها لكلِّ الشباب، فشكرًا مِن القلب لك.
لكن قبل النهاية أَودَعني سمير رسالةً رنَّانة أقولُها لكم، فقط اجمعوا الكلماتِ التي ظُلِّلت باللون الأحمر في أعلى النصِّ لتقرؤوا رسالة سمير إليكم.
احفظْها، وانشرْها بين أصدقائك، ودمتُم في حفْظ الله ورعايته يا طلاَّب السَّنة الأولى في الجامعة.
احفظْها، وانشرْها بين أصدقائك، ودمتُم في حفْظ الله ورعايته يا طلاَّب السَّنة الأولى في الجامعة.
ملاحظة: (سمير) ممكن أن يكون (سميرة) أيضًا.
خبر عاجل: إني أحبكم في الله
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة