إياك والحب الخاطئ:
أكثر الأبناء لا يشعرون بأحزان أمهاتهم ولا يهتمون بمعاناتهن، ويتصورون التضحية والتفاني واجباً من واجبات الأم الأصلية، وإن لم تقم بهما كانت مقصرَّة! وهذا المفهوم خاطئ، فجنبي ابنك تلك المفاهيم لكيلا يكون أنانياً ويخرج عن السيطرة.
وحتى لا يفسد صغيرك افعلي ما يلي:
- اطلبي منه أن يقابل حبك بالحب، فيسأل عنك هو الآخر ويهتم بك وبمشاعرك، (وهذا ما سيجنبه العقوق، وهو ما سيجعله ابناً صالحاً في المستقبل)، فإذا كنت حزينة لسبب -يمكن قوله- فأعلميه (مثلاً: مرضت صديقتك، احتاج أحد أقاربك لعملية جراحية)، وأظهري التغير في سلوكك فقللي تفاعلك مع ابنك وأظهري ألمك. فإذا واساك تقبلي منه واشكريه، وأثبتي تأثرك بقولك: "اليوم لا أستطيع التركيز معك، عندي مشكلة وأحاول حلها"، وإذا لم يهتم يكون هناك خطأ في مشاعره نحوك، فحاولي بناء علاقة جديدة معه، وإن مشاعر "التقدير" تتعزز في ساعات الصفاء، وتتوطد بالكلام والتعبير.
- وبطريقة عفوية وطبيعية عرفيه بما تقومين به من أجله من تضحيات، وعن طريق الكلام وفي السهرات العائلية اسردي الحوادث الحقيقية، وأضرب مثلاً حدث معي: ذات يوم تألم ابني وأيقظني في الساعة الثالثة منتصف الليل فقمت معه ورعيته، وفي اليوم التالي قلتُ له: "ليتك تعلم كم قلقت عليك، وساعة أيقظتني (من أجل ألم بطنك) كنت مستغرقة وقد مر علي يومان بلا نوم وبلغ الإرهاق مني مبلغه، فلما رأيتك على هذه الحال طار النوم من عيني وقمتُ لأرعاك وأعطيك الدواء وبقيتُ جالسة إلى جوارك حتى تحسنت أنت وغفوتَ، ثم اضطررت أنا إلى البقاء بلا نوم لأني كنت ذاهبة صباح هذا اليوم إلى مجلس الأمهات، والآن أنا منهارة تماماً من شدة النعاس وسأنام بعد أن اطمأننت عليك"... كلميه عن المعاناة التي تتكبدينها من أجله (بلا تهويل، وبلا مَنِّ ولا أذى) ولكن بوضوح وبشكل واقعي ومؤثر، وأشعريه بالتضحيات التي تقدمينها له؛ فالأم تقدم لابنها زيادة عما فرضه الله عليها، وتقدم له زيادة عن وظيفة الأمومة، وابنها محور حياتها وسعادته أقصى أمانيها: تسهر الليل كله لو أصابه مكروه، وتكتئب إن مرض، وإذا مرضا معاً طببته وأهملت نفسها، وإن كانت فقيرة أطعمته وبقيت جائعة وحين تتعارض رغباتها ورغباته تقدمه على نفسها... وكله منة وتفضل وفي بعضه مبالغة منها! أفلا ينبغي أن يعلم الابن بهذا؟ فيقدره ويعوض أمه عن بعض التضحيات؟
من أجل ذلك قولي له في بعض المرات: "أنا متعبة جداً ولكني سأشرح لك الدرس"، واعتذري في مرات أخرى: "أنا منهكة على الآخر، آسفة يا بني! لا أستطيع مساعدتك في (الوسيلة) التي طلبها الأستاذ"، واطلبي منه القيام ببعض واجباتك، وحين يستثقلها أعلميه بأنك تفعلينها كل يوم، وتتحملين أعباء إضافية فوقها -من أجله- ليكون مرتاحاً وسعيداً.
وحين تتسامران احكي له كم تغلبت في إعداد الكاتو الذي يحبه، وكم أخذ منك طي الغسيل وقتاً، قولي له أنك لا تحبين كنس السجاد، ولا تطيقين ترتيب الألعاب المتناثرة، ولكنه نداء الواجب وقانون الحياة، وليعلم ابنك من خلال الحديث الهادئ أنك أنت أيضاً تكرهين أداء بعض الأعمال، وأنك تملين وتتعبين، وتحتاجين أحياناً للمساعدة. فإن تذمر من حديثك فعاتبيه برفق وامتنعي عن الاهتمام به حين يكون بأشد الحاجة لك! أهمليه يوماً أو يومين ليشعر بقيمة مساندتك.
وإن تفاعل معك واهتم لحزنك فهذه بشارة خير وبركة! فأبدي سعادتك لاهتمامه بمشكلاتك، وحثيه على مبادلتك الود والتعاطف، وساعديه ليحبك ويحس بك، الحب ضروري جداً لتهيئة تربة خصبة صالحة تتقبل ما يبذر فيها من خير وإحسان. وحبذا لو امتد حنان الصغير وحبه إلى والده وجميع إخوته، وكم هو لطيف لو احترم مقامهم وحقوقهم، فهذا خلق المسلم.
- لا تحاسبيه كنظير لك أو ند يماثلك، ولا تنتقمي منه، أو تؤذيه لأنه أتعبك أو نغص يومك، فأنت مربية وأم وهو طفل صغير، تغاضي عما يمكن التغاضي عنه، ووجهيه لأنه أخطأ والخطأ لا يليق بالمسلم، وكوني حازمة إذا غلط قولي له بصوت واضح ولهجة صارمة لقد غلطت فاعتذر والرجل يعترف بخطئه، وإن كان يستطيع إصلاح ما أفسده مريه بذلك ولا تتهاوني معه أبداً.
ولمزيد من التوضيح إليك الفرق بين "الدلع والإفساد" وبين "الدلال والحب":
الحب إعطاء الأمان والدعم للصغير، والإفساد جعله اتكالياً ضعيف الإرادة عديم التفكير.
الحب دعم معنوي يجعل ولدك يتحمل الصعاب ويصبر، والدلع يجعله يتذمر من كل بلاء.
الحب سلطة تمنعه عما يضره وترشده لما ينفعه، والدلع ميوعة تحقق له كل رغباته بلا انتقاء.
الحب بصيرة ووعي لما يفعله الصغير من أخطاء ويترافق معه التوجيه السليم، والدلع ترك للصغير ليتصرف على هواه بلا رقابة ولا تعديل.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة