راما ماهر الشجراوي أردنية، من أصول فلسطينية كاتبة للخواطر والمقالات، ومدونة في الجزيرة، حاصلة على شهادة جامعية في اللغة الإنجليزية وآدابها وتعمل في مجال التعليم
ذكريات غَزَتْني!
نظرْتُ في الفراغ قبل دقائق معدودة لوهلةٍ قصيرة وسريعة الألم، لم أكن في مزاج الشاعريّة حينها، ولم أكن أحتسي القهوة كما الكُتّاب، كنت فقط أتأمّل جزيئات الهواء اللامرئيّة، تشوبها ذكريات تناثرت قبل حفنة من سنواتٍ متفرّقة الأمل.
كنت أسمع حينها ضحكاتٍ كثيرة وبكاء صامت خافت الألم، رأيت شظايا أحلامٍ محطّمة، ورماد وعود محترقة .
رأيت وجوهٍ عليها غبار الماضي لم تمسحها قطرات النسيان .
رأيت دموعٍ منهمرة تفوح منها رائحة الندم والحنين...
رأيت ابتسامات بُترت منها السعادة .
شعرت بوخزة سريعة أعادت لي وعيي، نظرت حينها للساعة فوجدت عقرب الثواني لازال في مكانه، لم يدقّ حتّى معلنًا التهامه لثانية أخرى من حياتي، ولم يفكّر حتّى في غدري كما البعض في السابق!
ياه! كيف؟!!
تناثرت أسئلتي على الأرض وبِتُّ ليلتي ألتقط السؤال تلو الآخر باحثًا عن بارقة أمل تعيد لي بريق الطفولة، أو حتّى نسمة عليلة من عام فائت بكلّ ما فيه بحذافيره المملّة.
كيف؟!
كيف لتلك الأيام أن تطوي بداخلها كلّ تلك الآمال والآلام والأحلام وحتّى الأشخاص؟! كيف لساعات أن تنقضي بسرعة وكأنّها تصارع شيئًا ما نجهله نحن وتعرفه هي؟!
كيف للنسيان مكان يتربّع ما بيننا ولكنّنا لم نشعر به يومًا؟!
في الماضي كان الوقت يبكينا ونتسائل وقتذاك كيف سننسى وكيف سنعيش؟!
كيف سيمشي قطار العمر متجاوزًا مراحل شتّى؟!
كيف سيتجاوز محطّات الذكريات وعتبات الماضي؟!
هل سيغيّر مسيره؟ أم سيبقى على ذات الخطى متأمّلًا؟!
هل ستتغيّر الآمال يومًا و تصبح حقوقًا؟!
نهضت من مكاني، قفزت من فوق ركام بيتي، مسحت دمعاتي مسرعًا، ونظرت لخلفي أحاول استراق النظر لخيالات عائلتي الهاربة بعيدًا عني، هممت لاحتضان نفسي مواسيًا لذاتي، لم أشعر في تلك اللحظة بيدي اليمنى، وقفزتي لم تكن كاملةً، عدْت لواقعي، وسقطت على الأرض تشوبني لحظات صدمة مرارة الواقع وافترشت بجانب كلّ تلك الذكريات، حاولت تذكّر ما حصل لكنّ النعاس كان أقوى، توسّدْت من أحزاني وسادةً لأغفو متملّكًا لشجاعتي المصطنعة، فأنا أريد البكاء حتّى الصباح دون انقطاع.
غفوت حينها وحلمت بأشياء تعجبني وابتسمت ليدي التي كتبت قصيدتي، وقفت بقدماي أمام رفاقي وألقيتها بصوتي الشجيّ، صفّق لي الجميع، وقف والداي فخرًا وهرولت شقيقتي نحوي، استلمت قلادتي، وشكرت الجميع ثمّ.......
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة