د.غنى عيواظة: دكتوراه في الفقه المقارن، محاضِرة جامعيّة شاركت في العديد من المؤتمرات الدّوليّة والنّدوات.
الهجرة عقيدة

هلمّ معي إلى سورة التّوبة لقوله تعالى:
{إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.{
وإلى حديث أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله عليه الصّلاة والسّلام فيما روي:
" قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ، فقال: يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما".
قال تعالى في جميل التّثبيت لنا نحن، إذ ثبّت قلب رسوله صلّى الله عليه وسلّم حينها على حسن الظّنّ به، والتّوكّل عليه سبحانه، ثمّ أبا بكر رضي الله عنه من بعده، فكنّا نحن هدف ذاك النّقل التّشريعيّ لحادثة الهجرة المحمّديّة البكريّة، لنرى بقلوبنا، ونسمع بآذاننا، وتفهم عقولنا، فتعي نفوسنا أين موطئ الأقدام كي لا تزلّ بعد ثبوتها، ما ورد في فتح الباري من شرح قوله تعالى في سورة الأنفال: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}، قال:" تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه. فلما أصبحوا ورأوا عليا رد الله مكرهم. فقالوا أين صاحبك هذا؟ قال لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال".
إنّ الرّاحل من داره، بمطاردة قومه له، يرتعد فؤاده خوفًا من أن يظفر به من يلاحقه، ولا سيما أن كلّ الدّلالات تشير نحو طريق مسيره.
وكذلك مقابلة العدو على باب الدّار، ثمّ باب الغار، بمواجهة وإحكام، لا يُنجي منها إلا مكر الله سبحانه بمن أراد سوءًا بنبيّه وصاحب رسوله عليه الصّلاة والسّلام.
ولولا أنّ إيمان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بخالقه بلغ حدّه، بما بلغه، لخارت الأرجل عند المرور قرب العدوّ لحظة المغادرة، أو لحظة النّظر في عيون المتربّصين في غار ثور، ولكن ذاك الطّاهر الذي حمل قلبًا مؤمنًا مطمئنًّا على كفّيه، قبل روحه، جعل النّفس تثق بخطواتها، وترى الأفق مشرقًا بنصر يلوح في آخره، فاحتسب الهجرة عبر المخاطر حتمًا بالغًا منتهاه بشهقات وزفرات الصّبر، والله خير الماكرين.
فلا تبتئس يا ابن آدم، واجعل لك ثقة بالله سبحانه، وبحفظه ونجاته لك من مكر الماكرين، ثمّ تجده خير الماكرين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الهجرة عقيدة
' فاديا عكيلة ' فقيدة غالية في عالم الدعوة في لبنان
أيَّ عاشوراءَ تريد؟
العين المحمودة والعين المذمومة في الكتاب والسنة
وقفات وعبر من هجرة خير البشر