نهايات وعبر لأراذل بني البشر

لقد كان من سنن الله الخالدة والتي لا تتبدّل ولا تتحوّل أنه سبحانه أجرى قضاءه المبرم وحُكمه المُحكم في كثير من عباده الذين خرجوا عن نطاق عبوديته وتحولوا إلى عبودية الشيطان، وجعلوا أنفسهم في مصاف الذين لا تجري عليهم ما يجري على البشر. فمنهم من ادعى الربوبية والألوهية معًا، فقال ما أخبر القرآن عنه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] و{مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، والنمرود الذي حذا حذو فرعون في التسلط والجبروت، فقال في محاجاة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258]. وجاء من أمثال مَن ذكرنا مَن طغى بماله واستعلى بذهبه وكنزه، قصدت به قارون. وهذه أمثلة فردية على بعض طغاة الأرض. وقد كان لكل واحد منهم نهاية مناسبة لما يستحق.
فأما فرعون، فأصدق ما قيل بنهايته ما أخبر القرآن عنه: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات: 25]. وطريقة هذا الأخذ الرباني كانت بالغرق والنجاة بالبدن ليراه القاصي والداني ممن كانوا له خدمًا وعبيدًا. وقد أصبح جثة ملقاة قد لفظها البحر لا تساوي شيئًا. وأما النمرود، فقد سلط الله عليه ذبابة دخلت دماغه ولم تتركه ينام من دويها في رأسه حتى مات من ضرب النعال على رأسه. وأما قارون، فقد قال الله بحقه بعد أن نسب المال والثراء لنفسه وأنكر نعمة الله عليه بشكره، فكان عاقبة أمره: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}[القصص: 81].
ولو أردنا الحديث عن النماذج الجماعية التي أجرى الله تعالى فيها عدله وقضاؤه، فإن لنا في عادٍ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد فأكثروا فيها الفساد. فماذا كانت العاقبة؟ {فَصَبَّ عَلَيْهِم رَبُّكَ سُوطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14]. إذًا، سنن الله في إبرام عدله لا يمنعها مانع ولا يحول عن تحققها حائل. ولكن كل ما ذكرناه كان من زمن قديم صار هو وأهله في حكم الزائل.
فهل إنّ مَن جاء من بعدهم في المئة سنة وخمسين حتى يومنا الحاضر كان للطغاة منهم عبرة فيمن مضى ممن ذكرنا من الطغاة الأوائل؟ إن الواقع يقول عكس ذلك في الشهود والدلائل، وهذا يشمل الكفار منهم أصلًا ومن هم من هذه الأمة منسوبين لها بالاسم، وهي منهم براء في السر والظواهر. فأما الكفار الملاحدة الذين حكموا بلاد روسيا لسبعين عامًا مضت، فقد ملكوا زمام البلاد ورقاب العباد، وقالوا بلا تردد: "لا إله والحياة مادة، والدين أفيون الشعوب".
وقد كان من أعمدة هذا النظام الجامع لطغيان فرعون وجبروت النمرود وتسلط قارون رجلين اجتمع فيهما الإلحاد والكفر البواح وظلم العباد ونهب البلاد، وعبادة الذات، قصدت بهما لينين وستالين. وقد جعل الله لكل واحد منهما عبرة وعظة في الموت الذي سبقه العذاب والمرض وسكرات الموت والرعب. وصدق فيهما قول الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ إِلَيْهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ، وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93].
وقد ظهر في بلاد الخلافة الإسلامية رجل من يهود الدونمة في بلاد تركيا، وهو المسمى كمال أتاتورك، والذي أطلقوا عليه لقب "أب تركيا الحديثة". وكان هذا الرجل من أشد أعداء الإسلام وما يمثله من شعائر وطقوس وسلوك وعادات، فكان أن منع كل المظاهر الدينية خارج المساجد، ومنع رفع الأذان بلغة القرآن، ومنع الحجاب. وأدخل بلاد الخلافة الأخيرة في التاريخ الإسلامي الحديث، الخلافة العثمانية، في عصر التفرنج والتغريب ومحو كل أثر للمعالم الإسلامية في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. وكان محاربًا لكل ما هو من سمات الإسلام ومنهجه في أدق الأمور وأصغرها. فأصابه الله بمرض نادر حيث أكلت الحشرات دماغه وأصابه مرض يصعب وصفه في الرأس حتى هلك.
وفي بلاد مصر التي فتحها المسلمون وصارت معلمًا من معالم الإسلام في الجهاد والدعوة، وما الجامع الأزهر عن من ذكرنا ببعيد. وقد كان من نماذج الطغيان من كانوا حرّاسًا وخدمًا لحكامهم الطغاة، فأمْعنوا في تعذيب الشباب المسلم بما تنوء بحمله الجبال الراسيات. وكان لذلك العهد المشؤوم رجل اشتهر عنه أنه يحارب الله علنًا وجهارًا في طرق تعامله مع المسجونين المظلومين، وقال لهم: إنه لو قدر أن ينزل الله لسجنه معهم في زنزانة من الزنازين. فكانت عاقبة هذا الرجل الغادر أن دخل في حادث سيارة، سياخ من حديد يحملها في رأسه وبطنه، ومزقت له رقبته وعنقه، وجعلت منه عبرة لمن يعتبر.
وفي بلد إسلامي آخر، وهو ليبيا، فقد حكمها رجل وضع لنفسه اسم "ملك الملوك" لبلاد إفريقيا، ووضع ما يسمى "الكتاب الأخضر" ليكون دستورًا للناس، وألغى السنة وتلاعب بالألفاظ في القرآن. وأجرى الله فيه عدله بأن سلط عليه من الكفار من أمعنوا في بلاده التخريب، وكان هلاكه على أيدي شعبه من العبيد، شر قتلة، إصابته من الوريد إلى الوريد.
وفي بلاد الشام، حكم قوم يجمعون بين الباطنية في دينهم والعلمانية الخالصة في دستورهم، وسفكوا دماء العباد وأزهقوا الأرواح بلا مداد ولا عداد، وبالحديد والنار ملكوا وسادوا وتفرعنوا وتنمردوا. وجاء يوم قدره الله أن يزول ملكهم وتداس بالأقدام صورهم وقبورهم، ويفر حاكمهم وزبانيته بلا عودة ولا رجعة.
وهكذا تكون نهاية الظالمين، لا يحسبون أنهم لملكهم تاركون، ولما جمعوه من مال وجاه لغيرهم وارثون. وصدق الله فيهم وفي أمثالهم: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنِعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَٰلِكَ أَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ}[الدخان: 25-29].
والحمد لله رب العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
نهايات وعبر لأراذل بني البشر
مطبخ السياسة .. ومنهج القرآن في السياسة الشرعية.. الجزء الثاني
فنّ التربية الإسلامية
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الثامن
مَطبخ السياسة.. ومَنهج القُرآن في السياسة الشرعيّة..!