الإسلام والتحديات المعاصرة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة للعالمين، فحمل مشعل الحق المبين، حتى تحققت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ورضي الله عن الآل والصحب أجمعين، الغر الميامين، الذين حملوا الدعوة، وبلّغوها للناس العاقلين، فانتصروا بالحق وللحق، ودانت لهم عروش الجبابرة والأكاسرة، وخسئت أمامهم أفكار الفرس واليونان والإلحاد والعلمانيين، وبعد:
فقد تكرّم الله على هذه الأمة بالإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، ورفعوا راية الحق والتوحيد والشرع المستقيم، وجاهدوا في الله حقّ جهاده، وطبقوا الأحكام الإلهية العادلة حتى شملت شريعة الله الخافقين، وسادت العدالة والفكر الإسلامي ربوع المعمورة طوال عشرة قرون، حتى كانت حضارتهم وعلومهم متفردة على سطح الكرة الأرضية، وسادوا مشارق الأرض ومغاربها، واندحر أمامهم الكفر والإلحاد، والفلسفات المادة، والأنظمة الوضعية، والفكر الخبيث.
ولكن مشيئة الله تعالى وسنته، في الكون لا بد أن تتم، وهي ما عبّرعنها الشاعر الحكيم بقوله:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
فتسرب الضعف والوهن والجمود، والتأخر إلى واقع المسلمين، وشعوبهم، مما أغرى أعداء الله من الشرق والغرب للطمع بأرض المسلمين، والانقضاض عليهم كما تنقض الذئب على فريستها، ووصل الأمر إلى الاحتلال والاستعمار، وركنت الشعوب الإسلامية تحت حكم الطغاة والمستبدين والمحتلين.
ولكن بقي الإسلام شامخاً، وظلت راية القرآن خفّاقة، واستمر نور الله مضيئاً، لأن الله تعالى قرر في الأزل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر/9.
وهنا فطن أعداء الله من المستعمرين إلى التوجه لتحريف الدين، ونفثت الشياطين في روعهم للطعن بعقيدة الإسلام، والتشكيك بأحكامه، لعلهم يجهزون عليه كاملاً، ويفرضوا فكرهم وعقيدتهم وأنظمتهم، وحركوا أزلامهم من المستشرقين، والمستغربين وأذنابهم، لنشر الفكر العلماني الإلحادي في بلاد المسلمين، وأسسوا المدارس التبشيرية والمعاهد والجامعات العلمية، وأرسلوا البعثات الضالة، وفتحوا أبواب جامعاتهم لاستقبال الوافدين من البلاد الإسلامية لتسميم عقولهم، واستخدامهم في الحرب الفكرية الضروس ظناً منهم القدرة على التحكم في عقيدة المسلمين ودينهم، (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون) فكان هؤلاء مع الإسلام على حد قول الشاعر:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهن قرنه الوعل
فبقي الإسلام بعقيدته وأخلاقه وأحكامه سالماً وفي المكان الأعلى بفضل الله وحفظه.
واليوم نبيّن ما يلي:
بدأت الصحوة الإسلامية واستيقظ المارد النائم وصحا الرجل المريض من المخدر، وبدأت رحى الحرب الفكرية بين الحق والباطل، وبين الفكر الإسلامي والفكر المستورد/ وبين شرع الله ودينه مع الإلحاد والعلمانية والمادية؛ فالمعارك مستمرة.
على المسلم أن يطمئن بحزم إلى دينه وشرعه وعقيدته، وأنها لا تزال في سموها وعليائها ونضارتها وسلامتها وصلاحها لكل زمان ومكان، ويوقن أن (الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يوسف/21
إن الحق لا بد له من رجال يحملونه، ويدعون إليه وينافحون عنه، ويقفون في وجه الباطل وأعوانه، وهذه سنة الله في خلقه، ولذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل، ثم جعل العلماء ورثة الأنبياء، ليكونوا مع المؤمنين الصادقين مجاهدين بالقلم واللسان، والفكر والبيان والسنان والحسام لإعادة الحق إلى نصابه ورفع راية الدين والإسلام فلن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها و"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء" "ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون" وهم في بلاد الشام وأكنافها.
إن هذا البلاء والاختبار والحرب الفكرية التي يشنها أصحاب الفكر المستورد والمنحرف والمادي والعلماني هو من سنة الله في الكون والصراع بين الحق والباطل منذ وجد آدم وحتى تقوم الساعة، وما هي إلا (فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون، وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون: ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) المدثر/31، و(حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) البقرة/214
المطلوب عودة كاملة للإسلام والتطبيق الكامل لشرعه ودينه والعض عليها بالنواجذ مهما كلف الثمن وإن الحق ليحتاج إلى التضحية وإلى الرجال والأعوان والعلماء والجامعات والمؤسسات والجنود المجاهدين المخلصين الصادقين الواثقين بما عند الله وأنه خير وأبقى، لنحقق حدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمستكم بهما، كتاب الله وسنتي".
إني لأرى الفجر قادم وأن الصبح قد انبلج، وإن الشمس ستبقى ساطعة من الشرق وأن دين الله باق وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا وأن المسلمين صامدين، وأن الحق شاهق، وكل شيء فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة/105، ونكرر قول الشاعر عارف عبد الله حسن:
سنعيد للإسلام سالف مجده في قوة عملاقة الوثبات
والحمد لله رب العالمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة