نسوة يوسف
روى القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام مع “نسوة المدينة”، فقال تعالى: ﴿وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين، فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئاً وآتت كل واحدة منهن سكيناً وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم﴾.
ذكر المفسرون أن المدينة كانت في مصر، وقيل إنها مدينة عين
شمس، وقال ابن عباس وغيره، النسوة هن: امرأة صاحب
الملك، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة الخباز، وامرأة صاحب السجن.
ذكر بعض علماء التفسير أن امرأة العزيز بعد أن لاكت ألسنة
النسوة قصة مراودتها ليوسف عليه السلام عن نفسه، دعت
أربعين امرأة من نساء الأمراء وبنات الكبراء منهن النساء الخمس
المذكورات، ليشاهدن بأنفسهن جمال يوسف عليه السلام.
والمتأمل في قصة أولئك النسوة يجد أنهن:
ـ صورة مصغرة عن حال بعض نساء الطبقة الراقية اللواتي لا هم
لهن إلا تصدر المجالس التي يُبدد فيها الأموال لإعداد الفرش
والوسائد وأنواع الأطعمة والفاكهة، وتضيّع فيها الأوقات وترتكب
فيها المخالفات الشرعية من إطلاق الإشاعات وتصيّد الأخطاء
وأكل لحوم الناس بالغيبة والنميمة، لذلك كان من الطبيعي أن
يؤدي الفراغ والثروة إلى الانحراف، والدليل ما حصل مع امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك. وصدق الشاعر حين قال:
إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أي مفسدة
ـ نموذج لصاحبات السوء: لما شاعت قصة شغف امرأة العزيز
بيوسف عليه السلام، ومراودتها له عن نفسه، لم تقم تلك
النسوة بنصحها ونهرها عن هذا الفعل بل على العكس من ذلك
تماماً قمن بتشجيعها. قيل إنه لما توعدت امرأة العزيز يوسف
عليه السلام بالسجن، قامت أولئك النسوة بنصحه، وزيّنّ له
مطاوعتها، ونهينه عن إلقاء نفسه بالسجن؛ عندئذٍ دعا يوسف
عليه السلام ربه قائلاً: ﴿إلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين﴾.
ـ مثال للنساء الساقطات المنحلات: يبدو ذلك في قولهن: ﴿إنا
لنراها في ضلال مبين﴾، فنقدهن وطعنهن على امرأة العزيز لم
يكن نابعاً من شعورهن بالفضيلة؛ وإنما بسبب أنه مولى من
الموالي وبنظرهن ليس مثله أهلاً لها؛ بدليل أنهن بعد أن رأينه
ارتكبن السلوك المنكر نفسه الذي لُمن امرأة العزيز عليه وهو:
مراودة يوسف عن نفسه، فكنّ بذلك شريكاتها في الجريمة،
ويظهر ذلك بقوله تعالى: ﴿قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه﴾.
ـ نموذج للنساء فاقدات الحياء: يتجلى عندما لم يخجلن من إظهار
إعجابهن وافتتانهن بيوسف عليه السلام، لذلك لا يُستغرب
تصرفهن بعد ذلك وهو مراودة يوسف عن نفسه لأنّ (النظر بريد الزنا).
ـ مثال للنساء الطاغيات المتجبرات، فهن لم يتورعن عن استغلال
مكانتهن وسلطتهن في المجتمع للوصول إلى ما يردنه، لإدخال شاب بريء السجن.
ختاماً نقول: إن قصة نسوة المدينة تجسد الصورة الحقيقية
للمراودة الجماعية التي يتعرض لها المسلمون اليوم في كل
لحظة وحين من قبل وسائل الإعلام (فضائيات – سينما – أغاني
وفيديو كليبات – صحف ومجلات – لوحات إعلانية)، بالإضافة إلى
دور الأزياء بتحريض مباشر أو غير مباشر من أعداء الدين؛ فهذه
الوسائل هي (نسوة المدينة) في وقتنا الحاضر، ودورنا في
مكافحتها ومواجهتها يتطلب منا أن نقتدي بسيرة يوسف عليه
السلام من ناحية التمسك بالدين وعدم تخطي حدوده وآدابه♥♥♥
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن