وجعل أهلها شيعا
" إنا رادوه إليك "
تيقنت بها أم موسي حين ألقت بوليدها في اليم ، في موت محقق من موت محتمل وسمعت نداء ربها. فحرم عليه المراضع في قصر عدوه الأول ، ليرده إلي صدر أمه الموقنة بكلمات الله ووعده .
................
" كلا إن معي ربي سيهدين " .
تيقن بها موسي عليه السلام حين كان البحر من أمامه ، وعدوه من خلفه ، ولا مفر فالموت يحيط به من كل مكان ، فرددها بيقين لينشق له البحر ويغ...رق عدوه .
إنها قصة اليقين ، قصة النصر العجيبة ، قصة الجبروت حين يتمثل في بشر يسمي نفسه بالفرعون ، يتألي علي الله ويتجبر علي الخلق فيقصم الله عز وجل ظهره من حيث لا يحتسب
وتلك هي قصة موسي عليه السلام :
قال الله تعالى: { طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.
قسم الفرعون شعبه
شعبين
ويتغني منشده ليقول " إحنا شعب وانتوا شعب ، لينا رب وليكوا رب "
يبدوا أنها صنعة يتقنها كل فرعون في كل زمن ، تقسيم الشعب
جزء منه مقتول ، والآخر يفوض علي القتل
جزء يضحي ، وجزء ينكر علي الأخر تضحيته ويتهمه فيها
جزء يصلح وجزء يهدم ما تم إصلاحه ليتهمه بعدم القدرة علي الإصلاح
جزء يعطي بلا مقابل ، وجزء يأخذ وينكر عليك العطاء
جزء يأخذ كل شيء ، وجزء يعطي كل شيء
علا فرعون في الأرض وتجبر وبغي وأفسد ، وقسم القوم لشيع وأقسام ، منهم المظلوم ، ومنهم الظالم ، ومنهم الضعيف ، ومنهم القوي المتجبر ، ومنهم من لا يجد قوت يومه ، ومنهم من يموت متخما ، ومنهم من يبيت جائعا ، ومنهم من تمتلئ بنوك الخارج بأمواله المكدسة ، منهم من يتألم من مرض بسبب الفقر الذي لا يجد معه ثمن الدواء ، ومنهم من تحول لحوت من الحيتان الآكلة للحوم البشر ويتقوت علي دماء البشر .
هكذا هو فعل الفرعون ، وكل فرعون
يستضعف طائفة منهم ، وغالبا هي تلك الطائفة المعارضة له ، التي تأبي الاستسلام والخنوع وقبول الذل والمهانة والعيش في ظل سوءات الطغاة .
كان بنو إسرائيل في هذا الوقت هم ورثة الأنبياء ، توارثوا عن إبراهيم عليه السلام أن الله عز وجل سوف يخرج منهم غلام تكون علي يده هلكة ملك فرعون وانتشرت تلك البشارة في بني إسرائيل حتى علم بها فرعون فقرر أن يقوم بجريمة لم تعرفها البشرية من قبله ، وهي جريمة تصفية شعب بأكمله وقطه نسله حتى صار مهددا بالانقراض ، وذلك بقتل كل المواليد الذكور من بني إسرائيل حتى لا يولد ذلك الغلام الذي يهدد ميلاده بزوال ملك الفراعين في مصر . فقرر بليل أن :
{يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ}.
وعن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميعَ القبط ولم تضر بني إسرائيل. فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والسحرة وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النساء.
قرر فرعون أن يفعل ، وبدا في التنفيذ بالفعل
وكانت لله كلمة أخري
فليقل الفرعون ما يريد
وليفعل الطاغية ما يشاء
ليقتل كيف شاء
ويحرق أني شاء
وليجمع التفويضات حيثما شاء
فلله عز وجل كلمة أخري
يقول الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}
يريد الله عز وجل أن يمن علي الضعيف ، وهذا من حسن صنيع الله عز وجل ومن فضله وكرمه علي الضعفاء
يمن عليهم بلطفه ورحمته ، ونجاتهم من ظلم الظالمين ، وجبروت المتجبرين ، فهذا مقبلو لعقل الإنسان وقدرته علي الفهم والاستيعاب
أما أن يجعلهم الله عز وجل هم الأئمة بعدما كانوا هم المستضعفين في الأرض ، وبعدما كنوا هم المطاردون ليلا ونهارا ، في البيوت والشوارع والعمل ؟
أما أن يجعلهم هم الوارثين للملك ؟
أما أن يمكن لهم في الأرض بعد كل هذا العنت وكم الظلم الذي تعرضوا له ؟
أما
أن يري فرعون الطاغية وهامان وزيره وجنودهما وكل من ساعدهم في طغيانهم ما كانوا يخشونه يوما ؟
أما أن يتربي " موسي " في قصر الفرعون ؟
فهذا لا يقدر عليه سوي الله عز وجل وحده
وهذا فضل من رب العالمين لا يستحقه سوي نوع من البشر خاص ، سلموا أمرهم كاملا له وحده ، وأيقنوا كل اليقين بقدرته سبحانه أن يجعل لهم مخرجا مما هم فيه
وللحديث بقية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن