جامعة رمضان
يعيش العالم أفضل أيّامه السنويّة .. ويُشرق الكون نوراً بالهلال .. ويرتعش المؤمن شوقاً .. ويرتعد المشرك وَجَلاً .. ويُكبَّلُ الشّيطانُ مصَفَّداً .. وتُغلَق أبوابُ جهنَّم ... وتُفْتَح أبوابُ الجنَّة ..
إنَّها الفرصة السنويّة .. رحمةٌ ومغفرةٌ وعِتْقٌ من النّار .. ليتها تدوم فلا تُغادر .. وتستقر فلا تنقطع .. إنها أيام الخير والإيمان ...
أختي المؤمنة:
إن القلب ليهتزّ ويتلهّف، وإنّ العين لترفّ وتدمع، وإنَّ الجوارح لَتَسْتَجْمِعُ قواها لِتنطلق جاهدةً مجاهدة، فالفرصة لا تُفوَّت، وِّالرَّبح عظيم، والنَّفس مُقِّصرَة، والعبد فقير، وكلٌّ منّا يحتاج إلى توبة ...
وهل من شهر يفوق رمضان خيراً وغنى – أو يُساويه -، فهو شهر فرضَهُ الله تعالى لِيَدخُل المؤمنون والمؤمنات في جامعته ليتلقَّوا دروساَ وحِكَماً تؤهّلهم لبلوغ تقوى الله فينالوا الرضوان والجنان.
نعم هي جامعة رمضان حيث تتألّف من كُلّيَّاتٍ ستّ على الأقل:
1- كلّيَّة الإيمان: وذلك حين تتعرّض المؤمنة لنفحات الله تعالى في صيامها وقيامها والتزامها طاعةَ الله تعالى وإكثارها من النوافل وابتعادها عن معاصيه ومحارمه جلَّ وعلاَ، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدّم من ذنبه" متفق عليه.
وقد ورد الحديث نفسه بلفظ "من قام" مُبَيِّناً أهمية قيام الليل في تربية الإيمان وتهذيب النفس وإزالة كدراتها وتطهير القلب وجَلائه من الأمراض، ولا سِيّما في صلاة التراويح وترقُّب ليلة القدر.
2- كلّيَّة التربية: فهو يُربّي المرأة على ضبط النَّفس لتكون مطواعة تقودها فتطيع وتأمرها فلا تعصي، وفي ذلك أفضل تدريب على القيادة. فالعاقلة لا تطلب طاعة غيرها ونَفْسُها عليها مُستعصية .
ويتجلّى ذلك في منع النفس من الطعام والشراب حين تشتهيه وكبح جماح الشهوة والغريزة حين تغلي كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: "قال الله عز وجلّ: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصِّيام، فإنَّه لي، وأنا أجزِي به، يدعُ طعامَه وشهوتَه لأجلي ..." متفق عليه.
كما يتجلّى في تربية النفس بالصبر على الغضب وكظم الغَيْظ والعفو عند الإساءة فقد ورد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: " ... فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخَبْ فإن سابَّه أحدٌ أو قَاتَله فليقل إنِّي صائم إني صائم" رواه البخاري ومسلم.
وبالإقلاع عن تلك المساوئ يُربّي رمضان المرأة على بناء النفس وتحليتها بكل الصفات الحميدة: من المواظبة على الطاعة، إلى البذل والعطاء والإحسان، والعفة والحِلْم، والدعوة والدأب على النصح والهداية.
3- الكلّية الاجتماعية: وتظهر جوانب التكافل الاجتماعي في رمضان:
* في تفطير الصائمين.
* والمواساة بين المسلمين.
* وتخفيف أعباء العمل عن الموظّفين والمستخدمين.
وقد قال عليه الصلاة والسلام في خُطْبةِ استقبال رمضان: " ... شهر المواساة وشهر يُزاد فيه في رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ... ومن خفف فيه عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار .." رواه ابن خُزَيمة.
4- كلّية العلم والقرآن: فقد كان جبريل عليه السلام يلقى الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان فيدارسه القرآن.
فرمضان إذن شهر العلم والمعرفة وهو شهر القرآن ﴿شَهْرُ رمَضَانَ الذي أُنْزلَ فيه القُرآنُ هُدىً للنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ منَ الهُدَى والفُرقَان﴾ [البقرة:185]والقرآن خير مربٍّ ومعلّمٍ للمرأة وهل لنا دونه نجاح أو فلاح سواء في الدنيا أم في الآخرة. فرمضان شهر تلاوة القرآن وحفظه وتعلّم معانيه والعمل بمضونه.
5- كلّية الدعوة: ألم يفتحِ اللهُ تعالى بابَ التوبة على مصراعيه في رمضان لاستقبال التائبين؟ فَمن هي التي تتعهدّ التائبات بالتربية والتعليم والمتابعة؟ ومن هي التي تُذَكِّر الغافلات ليتُبْنَ إلى الله تعالى؟ إنها المسلمة الداعية تُتاح لها الفرصة لتمارس الدعوة إلى الله تعالى في جميع ميادينها فتنال الأجر والثواب، وتُكسِبُ الدعوة رصيداً جديداً من الملتزمات العاملات، وتتدرّب على فنون الدعوة لتتمكّن ويقوى عودها ويطول باعها ﴿ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين﴾ [فصِّلت: 33 ].
6- كلّيَّة الجهاد: معلوم للجميع أن المسلمين الأوائل تخرَّجوا بشهادة تفوُّق في هذه الكلية، وقد خاضوا بدراً وفَتْحَ مكة وعين جالوت.
وحيث تخضع الأمة الإسلامية – في هذه المرحلة بالذات – لسلسلة هجمات عنيفة هدفها استئصال أمة الإسلام من الوجود، فإن أمتنا ينبغي أن ترضع مع لبن الأمهات حبَّ الجهاد من أجل استرداد كرامتها ونصرة دينها، ورمضان أعظم فرصة للأمهات لتربية الأبناء على هذا المعنى.
أيتها الأخت الداعية:
إن العاقلة لا تدع الفرصة تفوتُها، وبالتالي فاغتنمي كل دروس رمضان واعلمي أن الهدف الأساس المطلوب تحقيقه هو الوصول إلى تقوى الله تعالى فإنها خيرُ مَغنَم وخيرُ درسٍ نستفيده: ﴿يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ [البقرة:183 ]. والحمد لله رب العالمين.
العددان الثامن والتاسع – شعبان ورمضان 1416 هـ = كانون الثاني وشباط 1996
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن