أنا.. ورمضان.. والبحر
بداية نشكر القيمين على المجلة على فتح المجال للشباب بعرض مشكلاتهم وهمومهم على صفحاتها آملين أن يتسع صدوركم لها.
سأدخل بصلب الموضوع مباشرة... رمضان على الأبواب وأنا أعاني بشكل عام أثناء الصوم من التعب والإرهاق والجوع؛ فما بالكم وأنّ رمضان هذا العام سيكون في عزّ الصيف، وأمر آخر أنني سأحرم لفترة من الذهاب إلى البحر والاستمتاع بجزء مهم من العطلة الصيفية على البحر؛ فكما تعلمون أن العطلة الصيفية قصيرة ولا نلبث أن نعود إلى الدراسة من جديد.
المشكلة أنني أعاني من صراع داخلي ما بين وساوس الشيطان وتزيين أصحابي لي بالفطر وبين يقيني بحرمة هذا الأمر لا سيما عندما أستحضر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يُجزئه صيام الدهر ولو صامه).
أخاف أن أضعف؛ فبماذا تنصحوني؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي المبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية أشكر لك حرصك على أمور دينك وما سؤالك واستشاراتك إلا لما تجده في نفسك من تعظيم لهذا الدين نحسبك كذلك ولا نزكي على الله أحد.
1. لا بدّ أن تعلم أيها المبارك أن الله أمر بالصيام؛ فقال سبحانه: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، والله تعالى هو الذي يقدِّر الأقدار ولا يكون شيء في هذا الكون إلا بأمره... فكما أن رمضان يأتي في فصل الشتاء فإنه كذلك يأتي في فصل الصيف وفي كلا الأمرين بلاء وابتلاء من الله لعباده.. فمن صبر على حرّ الدنيا وجوعها وعطشها في سبيل الله ولأجل الله؛ فإن الله سينجيه من حر نار جهنم قال الله: (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون).
2. أخي المبارك: اعلم أن النفس أمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. وأنت تعلم أن الشيطان عدو لدود للإنسان.. فلا تلتفت إلى ما تحدِّثه نفسك الأمارة بالسوء إلى ترك ما أمرك الله به.
3. الإسلام بُني على خمسة أركان... الركن الرابع هو صوم رمضان؛ فمن تركه بلا عذر شرعي فإنه على خطر عظيم.
4. الجنة غالية ولا بد من قهر النفوس حتى نفوز بالعروس وهي الجنة، وطريق الجنة مليء بالمكاره.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات".
5. متاع الدنيا قليل.. ولا أحد يعلم متى يدركه الموت.. ولن ينفعنا أحد إذا أصابتنا مصيبة الموت، ولن ينفع العبد إلا ما قدّم.. وكوننا نمنع أنفسنا التلذذ بالحياة لأجل طاعة الله فإن الله سيعوضنا خيراً في نعيم أبدي في جنات نعيم.
6. قال الله تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، فكن على حذر ممن يزيّن لك المعصية فإنه لم ولن ينفعك.. وعليك بما يرضي ربك ويصلح حالك ولا تبع رضى الله والجنة بلذة فانية وزينة بالية.
7. أنت تجد صراع في داخلك بين النفس الأمارة والنفس اللوامة.. فأطع النفس اللوامة حتى تنجو؛ فأنت في ابتلاء فكن قوي الإيمان وادحر الشيطان وقل: "اخسأ عدو الله؛ فرضى ربي خير من الدنيا وما فيها".
8. أوصيك بالصبر على أقدار الله المؤلمة؛ فإن كل عمل صالح يجازي الله عنه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإن الله تكفل أن يُجازي به؛ فقال سبحانه في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"؛ فما ظنك برب كريم تولّى أجر الصائم بنفسه سبحانه.. فهل نبيع هذا الأجر العظيم بلذة فانية؟
9. قال الله تعالى: (ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)؛ فكون الصيام في الصيف وحرّه شديد فإنه ابتلاء من الله ليعلم الصادق من الكاذب وهو سبحانه يعلم بلا شك من غير أن يبتلي أحد، ولكن هذا ابتلاء لك أنت أيها المؤمن ليكون شاهداً لك أو عليك من صدق إيمانك من عدمه.
10. الحديث الذي ذكرت لا يثبت. ومما صحّ من الوعيد على ترك الصوم ما رواه ابن خزيمة وابن حبان عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (الضبع هو العضد) فأتيا بي جبلاً وعِراً، فقالا: اصعد؛ فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم".
نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة
تلك عشرة كاملة نثرتها بين يديك أخي السائل أرجو أن تكون سبباً في ذهاب ما تجد من صراع في نفسك...
أسأل الله أن يفتح لك أبواب خيره وفضله وبركته وهداه أينما كنت وكيفما اتجهت، وأن يبلغك رمضان ويجعلنا وإياك من عتقائه من النار.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة