صراع في وادي النمل...
نملة تبحث عن حياة سعيدة كريمة عادلة، ولكنها تصطدم بالواقع المرّ الذي تعيش فيه من ظلم وقهر، فتحاول أن تتعايش مع هذه المشاكل، ولكنها بعد محاولات تصل إلى نتيجة واحدة وهي: لا بد من مواجهة من هو مسئول عن كل المشاكل التي تحيط بها وبأقرانها.
فتأخذ النملة قرارًا بالوقوف في وجه الأسد الذي أصابه ما أصابه من الكبر والعجز، فهو المسئول الأول عن ما يحدث من مشاكل في هذه الغابة؛ حتى ترفع الظلم عنها وعن مَن معها.
فما وصل إليه حال الغابة نتيجة ضعف وعجز "الأسد" الذي أعطى الفرصة "للفيل والثعلب والضبع" أن يرتعوا في الغابة دون حساب أو عقاب.
فوقفت النملة شامخة بجوار أخواتها من النمل أمام الأسد العجوز ومن معه، وفي كلمة واحدة قالت: "إن لم ترحل أنت ومن معك من هنا، سوف ندخل إلى رءوسكم الكبيرة، ولن نتركها إلا وأنتم ميتون".
وبعد شدّ وجذب استطاع النمل أن يرهب هذا "الأسد" العجوز ومن معه حتى قرر الرحيل، ولكنه قبل أن يرحل جاء إلى "النمر" ليكون هو المسئول من بعده عن حال الغابة وما فيها؛ نظرًا لحكمته وقوته.
ونجح النمر في امتصاص غضب النمل، واستمع إلى مشاكلهم، وبدأ بالفعل في توفير جزء بسيط من الحرية، فأصبح النمل سعيدًا بهذه الحرية التي أعطاها لهم "النمر" الكريم، فكان يرتع ويلعب في الغابة وهو سعيد ونشيط.
ثم عرض النمر عليهم أن يأتي إليهم بمكان كبير في الغابة (وادي)، ويتم توفير مساكن وأماكن لهم فيه، ويكون بداية لحياة كريمة، فتم قبول العرض.
وبعد فترة ليست بالبعيدة جاء إليهم "بالغراب"؛ لكي ينظم لهم أوقاتهم، فهو لديه الخبرة في الإشراف وتنظيم الوقت والجهد؛ حتى لا يتم إهدارها دون فائدة، فقَبِل النمل هذا العرض العظيم مرة أخرى، فهو يهدف إلى تحسين أحوالهم.
فكان من أول قرارات هذا "الغراب" هو وضع ساعات محددة للحركة داخل هذا المكان الذي يشبه المدينة، وتحديد أماكن بعينها للشراء والبيع.
ثم وجد أنه لا بد من وجود مساعد يساعده لوضع تقارير عن سير الحياة في هذا الوادي، فجاء بمجموعة متميزة من "النمل النشيط"؛ لكي يقوم بمراقبة باقي النمل ومحاولات تنظيمهم، فحدث انشقاق بين النمل وبعضه.
ثم قام بتعيين "عناكب"؛ لكي تتولى متابعة الاتصالات بين النمل وبعضه.
وبعد ذلك قام بتوظيف مجموعة من "النحل" لتنظيم المعلومات.
وجاء بمجموعة أخرى من "الجراد"؛ لمتابعة الأعمال الإدارية والتنظيمية لهذا المكان.
وهنا ذهب مجموعة من النمل المقهور بلهجة حادة للشكوى "للنمر" من كثرة الخلافات وقلة الأداء وكثرة الاجتماعات وعدم القدرة على العيش في هذا النظام؛ نتيجة أكل العناكب والجراد لهم، وعدم وجود طعام كافٍ لمن في المدينة.
فقرر "النمر" تغيير هذا النظام، فقام بتعيين "كلب" له خبرة في التطوير والإدارة، فكان أول قرار له هو تغيير شكل هذا المكان وبناء مجموعة كبيرة من البحيرات والكباري والطرقات؛ ولهذا جاء بمجموعة من "الفئران" للعمل معه في تنظيف وتطوير الطرق، ومجموعة من "الثعابين الصغيرة" لتنظيف البحيرات.
فذهب النمل مرة أخرى، ولكن هذه المرة بلهجة أقل حدة من المرة السابقة؛ نتيجة للملل والإحباط وعدم القدرة على العمل في هذا الجو العامر بالفساد الذي أصابهم.
فقرر "النمر" هذه المرة استشارت خبراء استراتيجيين لحل هذه المشكلة، فجاء "بالفيل والثعلب والضبع" الذي كان يعمل معهم من قبل، فبعد الفحص والتمحيص لعدة شهور على هذا الحال أصدر هذا الفريق الاستراتيجي بيان إلى "النمر" يطلب منه تقليص عدد سكان هذه المدينة؛ نتيجة للتضخم الذي ضرب هذا المكان.
وكان النتيجة هي طرد النمل من هذا الوادي؛ نظرًا لقصور أدائهم وسلبيتهم وعدم تفاعلهم مع باقي أعضاء المنظومة.
والحقيقة إنه بالفعل نجح النمر في طرد النمل، ونجح في تقسيمهم، ولكن ما لم يدركه أن النمل من أكثر الكائنات القادرة على البناء والتنظيم مرة أخرى، ولعل هذا كله يكون خيرًا إن شاء الله {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن