كأس ذهبي
لطالما أحبّ "عمّار" الجري، فلقد كان السبّاق دائماً في مسابقات الجري التي كانت تقيمها مدرسته، ولم يكن يفوز على أقرانه فقط، بل كان يتفوّق أيضاً على من هم أكبر سنّاً وأقوى بنيةً. وها هو اليوم التلميذ الأسرع في المدينة كلها.
ذات صباح، استلقى عمّار على سريره وأخذ يمتّع نظره بالكؤوس الذهبية التي فاز بها على مرّ السنوات. "غداً سأضيف كأساً آخرَ على مجموعتي عندما أفوز بالمباراة الوطنية بإذن الله..." دغدغت هذه الفكرة كيانه فارتسمت ابتسامة عريضة على محيّاه. قرّر عمّار أن يطالع مجلّة قبل ذهابه إلى النّادي، فتناول مجلة أجنبية وفتحها بشكل عشوائي فوقع نظره على عنوان يقول: "سوء الحظّ". أثار الموضوع اهتمام عمّار.
"أيعقل أن يكون يوم الجمعة الواقع في الثالث عشر من الشهر يوم نحس؟ وهل يمكن للمرور من تحت سلّم أن يجلب الحظّ السيّء؟..." مئات الأسئلة حامت في رأس عمّار وهو يترنّح ما بين التشكيك والتصديق، أغلق عمّار المجلة، وقد تزعزع الكثير من الثوابت في داخله وتمتم:
"موعد المباراة هو الجمعة 13 أيلول! أهذه صدفة؟" بات عمّار ليلتها مضطرباً".
حان موعد صلاة الجمعة، فاغتسل عمّار وتطيّب وتوجّه إلى المسجد، ولكنه أحضر مستلزمات المباراة أيضاً كي يتوجه إلى هناك مباشرة. في طريقه إلى المسجد، أخذ عمار يتساءل: "كيف يكون يوم الجمعة يوم نحس وهو عيد المسلمين؟"... صلّى عمّار صلاة خاشعة وطلب من الله التوفيق والفوز، ولكنّه كان لا يزال يشعر بالسّوء.
خرج عمّار إلى الطريق وانتظر مرور حافلة كي تقلّه، فتذكّر أنه لم يحضر ماءً، فتوجّه إلى الدكان كي يبتاع قنينة، ولكن اللافتة كانت تستبدل بأخرى في ذلك الوقت، فاضطر أن يعبر تحت سلّم عمّال الصيانة. خرج عمّار من تحت السلّم مجدداً وتذكر مقدار سوء الحظ الذي يصيب من يعبر تحت سلّم! وممّا زاد من غرابة الوضع أن عمّاراً لم يدرك الحافلة فاضطر أن ينتظر أخرى وأن يصل متأخراً. أحسّ عمّار عندها أن اجتماع هذه الحوادث ليس بصدفة، بل سوء حظ.
دخل عمّار قاعة المباراة وساقاه ترتجفان خوفاً ممّا قد تؤول إليه المباراة. وخلال التحمية، لاحظ المدرّب التدهور المفاجئ في أدائه فناداه جانباً: "يا بنيّ، ما الخطب؟" أجاب عمّار بلهفة: "لا أظن أنني أستطيع الفوز اليوم أو التّباري حتّى، هذا اليوم هو يوم سوء حظّي!" دُهش المدرب مما سمعه وقال، سوء حظ؟ من أخبرك بهذه الترّهات؟! أتقصد الحظ الذي يتعلّق بالرقم 13 وبالعبور تحت سلّم وغيرها من الخرافات؟ لقد وقعتَ في شِركِ خوفك يا عمّار! فكّر بعقلك يا مثقّف، أيعقل أن تتعلّق أقدارنا بأرقام وحوادث لا صلة لها بما هو مهم؟ لن ينالَ الفوزَ اليومَ من كان ذا حظّ أوفر، بل يناله من يستحقه، فالفوز للأفضل!
قلّب عمّار كلمات مدرّبه في عقله، فكانت بلسماً لصدره الملتهب بالذعر والقلق. بدأ السباق، فوضع عمّار خط النهاية نصب عينيه، وبينما عدا كالفهد في المضمار، أحسّ بسخافة ما قرأه سابقاً. فها هو عمّار الآن يجري من دون الْتِفات ليقطع خط النهاية وليفوز بلقب أسرع تلميذ على نطاق الوطن!
تسلّم عمّار كأسه الذهبي وكتب في مذكّراته"؛ ظننت أن هذا اليوم هو يوم نحس، ولكنه اليوم الأفضل في حياتي، والسبب ليس حظّي الوافر، بل إن السبب هو عملي الدؤوب لأكون الأفضل...".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة