لقطة كاميرا ن... ف... ق!!!
♦ سأريك يا صديقتي ماذا التقطت كاميرتي وماذا أحبّت وماذا صادت.
• كل هذا قامت به كاميرتك؟
♦ طبعاً! أتظنينها عادية؟ أتظنينها جماداً وكفى؟! لا يا صديقتي، إنها لطيفة وحسّاسة وجريئة وواضحة! هل أزيدك؟ إنها صادقة لا تكذب، تحبّ وتكره، تغضب وتَرِق، تعمل ولا تتحدث!
• أريني ماذا فعلت كاميرتك العجيبة هذه، فقد تحمّستُ وتشوّقتُ!
♦ أرأيت كل هذه الصور؟ إني أعدُهَّا لمعرض وستكونين أول من يفتتحه، هيا تفضلي، وسنبدأ بهذه.
• وما هذه؟ طريق مظلمة وآخرها أو أولها ضوء، لا أدري.
♦ هذه ليست صورة يا صديقتي، إنها حكاية شعب وفضيحة متآمرين خائنين لله وللضمير والمظلومين والضعفاء.
هذا هو النفق الحنون الكريم الذي حلّ كثيراً من مشاكل المحاصرين في غزّة، فعَاونَهم في نقل البضائع والبشر الذين لم تقف في طريقهم صخور ولا انهيارات ولا رطوبة خانقة ولا حتى من مات منهم. خنقوا أهلنا في غزّة وضيّقوا عليهم، تآمروا مع الصهاينة دون خجل من الله أو من العباد، فأغلقوا المعبر الطبيعي أكثر مما فتحوه، فتعطلت المصالح، واشتدت أوجاع المرضى، ومنهم من مات انتظاراً!
حتى كانت لحظة أضاء فيها مصباح في رأس أحدهم أو بعضهم لنقرأ في ضوئه فكرة نفق!
دخل الناس عبره وخرجوا، نزلوا تحت الأرض ومشوا أمتاراً وقد اختلطت لديهم مشاعر النشوة بالنصر على المعوقات والخيانات، ومشاعر الذلّ والهوان وخيبة الأمل!
لماذا نسير تحت الأرض؟ لماذا ندخله كلصوص ونخرج منه كلصوص؟ لماذا تغلق الطرق الطبيعية، ونلجأ للطرق الخطرة؟ ماذا فعلنا؟
هل نحن من احتلّ فلسطين فعاقبونا على ذلك؟ هل نحن من حرق الناس بالصواريخ والقنابل ودمّر المنازل والمساجد والمدارس في غزّة، فحاصرونا داخل أرض مساحتها 360 كلم مربع سمّاها التاريخ منذ القدم غزّة؟! هل نحن من اعترف بإسرائيل وبحق اليهود في العيش بأمن وسلام وهم المحتلّ الظالم؟ هل نحن من صافحنا شارون وتعاهدنا معه على ذلك فضَّيعنا حقوقنا؟
يظنّون أنّنا الحلقة الأضعف، لكننا الأقوى!
يظنّون أنّنا سنستسلم ونموت حصاراً وجوعاً وقهراً، لكننا لن نرفع راية استسلامنا يوماً، بل وسنموت أبطالاً، لا كما يتمنون لنا ميتة الجبناء الخاضعين!
يظنون أنّا سيعجزنا إغلاقهم لمعبرنا وهدمهم لأنفاقنا عن البديل، لكن من حفر النفق ليحلّ مشاكل المظلومين، لن يعجزه مكر البشر الظالمين!
هذا الطريق المظلم يا صديقتي هو النفق، وذلك الضوء في أوله هو النافذة التي ينفذ منها الضوء، وأنت وأنا ونحن وهم، نسير داخل النفق لنصبح جميعاً فجأة أمام قطعة خشبية في آخره، مربوطة بحبال.. نعتليها كلنا فيشدنا شباب أبطال لا يهزمهم شيء، لنجد أنفسنا فجأة أيضاً وفي لمح البصر فوق الأرض.. ووجوه كثيرة حولنا تطلب رؤية أوراقنا وتصريح دخولنا، ليكون تهريباً قانونياً!
قد نبكي خوفاً، أو نقمة على عالم ظالم ألجأنا إلى هذا الأسلوب من السفر، لكننا ما إن نرى أحبابنا وأهلنا وصمودهم وقدرتهم على التصالح مع مشاكلهم وتعايشهم مع أوضاعهم ورضاهم بالقليل وسعادتهم
باليسير.. حتى ننسى أننا كنا تحت الأرض.
ثم.. تأتي رحلة العودة بنفسية المجرب المغامر الذي يحمد الله على الحلول والعقل والأنفاق.
• كل هذا مكتوب في الصورة؟
♦ طبعاً يا صديقتي، وبقيت النهاية: ظنّوا أنهم بهدم النفق قد حرقوا بقعة الضوء في أوله، وخشبة النجاة في آخره.. ظنّوا أنهم قادرون على خنق الحياة في غزّة، لكنهم واهمون والله، فمن حفر نفقاً في الأرض سيبني معراجاً في السماء.
وستظل أطلال الأنفاق شاهداً على جرمهم، وستظلّ صورتي هذه تاريخاً يروي بطولةً تضاف إلى صور بطولة محمد الفاتح الذي شقّ الأنفاق في خطة بطولته ونصره، وإنّ نصرَنا لَقَريب.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن