ننتظر... وما زلنا
كنت طفلة عندما طلبت المعلمة أن نرسم مَعْـلماً من معالم الوطن تعبيراً عن حبنا له، واحترتُ في أمري! ماذا أرسم؟ هل تقصد الوطن الذي نعيش فيه أم وطني الأصلي المحتل؟
شعرتُ فعلاً بشعور لم أفسِّره إلا عندما كبرت: شعور الغربة واليُتْم!
مضت السنون، وأعطيتُ طالباتي درساً مقرراً في أحد الأوطان.. تذكرتُ غربتي ويُتمي، وتخيلت أن واحدة أو أكثر قد يصيبها شعوري المؤلم القديم نفسه... فطلبتُ منهن رسماً كبيراً نشارك فيه كلنا ونعبِّر عن حبنا لكل أوطان المسلمين، واخترنا شعاراً له: «كمثل الجسد الواحد». أردتُ أن أعلِّمهن أن حبَّ كلٍّ منا لوطنه، لا يعني ألاّ يحب غيره، فكل أوطان المسلمين نحبها ونحب لها الخير والرفاهية والنصر.
وهو ما تعلمناه من تاريخنا الإسلامي، فرسولنا الحنون صلّى الله عليه وسلّم لمّا غادر وطنه الذي يحب (مكة) قال في وداعها: «ما أطيبك من بلد! وما أحَبَّكِ إليّ! ولولا أنّ قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك»!
وعندما أصبح هو وأصحابه في المدينة، عاملهم أهلُها كأحسن ما يكون، وضربوا أمثلة لا يشبهها شيء في التاريخ في فن الإكرام والإحسان والإيثار والحب. فأحب رسولُنا صلّى الله عليه وسلّم وصحابتُه المدينة، وأصبحت وطناً ثانياً لهم، وبقي فيها حتى مات ودفن صلّى الله عليه وسلّم.
أوطان سكن حبها في قلوب ساكنيها وتباهوا بها وتباهينا معهم حتى اليوم...
لكن إيماننا ضعف، فاستغل العدو ذلك واستعمرنا وقسّم أوطاننا! فامتلأتْ جهلاً ومرضاً وفَقراً وتخلفاً وبطالة وعنصرية وسخافة وظلماً وفساداً وذلاً...
وبقينا زمناً طويلاً حتى انفجرنا!!
ولأن حب الوطن فطرة، ثار الثائرون وطلبوا إسقاط الحكام الجائرين الذين جعلوا أوطاننا متخلفة، وتحملوا من أجل عودة العزة والكرامة للأوطان كل أنواع التعذيب والهوان والقتل والتدمير والتهجير... وما زالوا يناضلون - نصرهم الله - وما زلنا ننتظر أوطاناً بحُلّة جديدة نظيفة قوية يهابها العدو.
نــنــتــظــر أوطاناً تتغنى بالإسلام فخراً وتتمسك به دستوراً..
ننتظر أوطاناً لا ينسى حاكموها الله تعالى والحساب والآخرة كالمأمون رضي الله عنه حين وضع خدّه على التراب ساعةَ دُنُوِّ أجله وقال: «يا مَن لا يزول مُلكه، ارحم من قد زال ملكه»!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة