الطالبة المسلمة الجامعية: مسؤولياتها وواجباتها
تعتبر شهادة البكالوريا نقطة تحول مهمة في حياتك أيتها الطالبة المسلمة، لكونك تنتقلين بعد البكالوريا إلى مرحلة جديدة مختلفة بعض الاختلاف عما سبق من حياتك، إذ أنك تجدين نفسك أمام مسؤوليات جديدةﹴ لم تكن من قبل من مهماتك، بل كانت من مهمة إدارة المدرسة التي كانت المعنية الأولى بنشر مبادئ الإسلام داخل مدرستها، فتهتم بسلوك الطالبات ولباسهن، وتهتم بالإشراف على تنفيذهن لواجباتهن الدينية والأخلاقية، كما تشرف أيضاً على المناهج الدراسية بحيث تمنع تداول الأفكار المناقضة للإسلام، أو تنقضها في حال كانت هذه الأفكار مفروضة في المناهج والمقررات.
أما في المرحلة الجامعية فقد انتقلت هذه المسؤوليات إليك أنت أيتها الطالبة المؤمنة، إذ أصبحت مسؤولة عن تحصين نفسك بتعاليم الإسلام، كما أصبحت مسؤولة عن نشر هذه التعاليم في مجتمعك، ومن هنا كان من المفيد التحدث عن بعض هذه المسؤوليات بعد تقسيم المقال إلى قسمين، القسم الأول يتعلق بمسؤوليات الطالبة المسلمة وواجباتها تجاه نفسها، والقسم الثاني يتعلق بمسؤوليات الطالبة المسلمة وواجباتها تجاه مجتمعها.
أولاً: مسؤوليات الطالبة المسلمة وواجباتها تجاه نفسها
أ- التحصن بالعلم الشرعي
إن التحصن بالعلم الشرعي يمكِنك أيتها المسلمة من إصلاح نفسك بالدرجة الأولى قبل أن تفكري في إصلاح الآخرين، لأنك إذا كنت جاهلة بالأحكام الشرعية، كنت بالتالي جاهلة بمسؤولياتك وواجباتك تجاه نفسك، وتجاه الآخرين، والمثل يقول "فاقد الشيء لا يعطيه". وأول ما عليك أن تتحصني به هو العلم بالله تعالى وصفاته، لما في هذا العلم من فائدة في منع النفس عن ارتكاب المعاصي، كما أن العلم بالله تعالى يعين أيضاً على الإجابة عن بعض الأسئلة الجدلية التي يكثر انتشارها في الجامعات، كتلك المتعلقة بالقضاء والقدر والتسيير والتخيير. ثم إن العلم بصفات الله يساعدك في مهمتك الدعوية عن طريق الترغيب باستخدامك صفات الرحمة، والترهيب باستخدامك صفات الشدة. كما أنك أيتها الطالبة المسلمة بحاجة إلى المعرفة بالأحكام الشرعية التي يكثر الاستفسار حولها، كالأحكام الخاصة بالحجاب والخلوة والاختلاط، وتلك الخاصة بالنساء.
ب- حسن اختيار مجال الاختصاص
تعتبر مسؤولية حسن اختيار مجال الاختصاص من أخطر المسؤوليات التي تواجهك بعد نجاحك في البكالوريا، وذلك لتعلق حسن الاختيار بمستقبلك المهني والحياتي على حد سواء، إذ أنك إذا اخترت مهنةً لا تحبينها تعرضين نفسك لخطر الفشل في المستقبل، وانعكاس هذا الفشل على حياتك كلها، لهذا عليك أن تنتبهي لهذا الأمر عند اختيارك لمجال الاختصاص، كما أن عليك أن تراعي أموراً أخرى، منها:
1- مراعاة حاجة الأمة الإسلامية لبعض المهن التي يقلُ توافرها في مجتمعاتها، كالمهن التي تتعلق بالطب النسائي من تمريض وجراحة. 2- مراعاة الصفات الإنسانية الخاصة بالنساء والتي ميزك بها الله سبحانه وتعالى عن الرجل، كصفات الرحمة والشفقة، وهذه الميزة يمكنك استثمارها في مجال التربية والتعليم والحضانة والطفولة.
3- الابتعاد عن التخصص في المهن التي تتطلب خشونة وصلابة والتي تفرض الاختلاط بالرجال كالعمل في صناعة الميكانيك على أنواعه.
4- الانتباه إلى الأهداف الإسلامية التي ذكرها العلماء لطالبي العلم، ومنها: إخلاص النية لله تعالى بجعل الهدف من وراء علمك إعالة نفسك وخدمة مجتمعك، وليس التباهي بالشهادة والتخصص، ومنها الحرص على إتقان العمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلمﷺ:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". لذلك عليك المواظبة على حضور المحاضرات وعدم الاكتفاء بتصوير المقررات من الزميلات. بناءً على ما تقدم، يتبين لك بأن عملية اختيار الاختصاص ليست بالأمر السهل، بل هي مسؤولية كبيرة تتوقف عليها حياتك المهنية، فإذا أحسنت الاختيار، وراعيت حاجة مجتمعك، وأخلصت النية لله تعالى وأتقنت عملك، فإنك بإذن الله تكونين قد قمت بواجبك تجاه نفسك في تهيئتها للعمل على إعالتك في المستقبل.
ت- حسن اختيار الصديقات
يعتبر حسن اختيار الأصدقاء واحداً من أهم مسؤولياتك عند هذا المنعطف من حياتك، إذ أنك قد تشعرين عند دخولك الجامعة بالوحدة، نتيجة ابتعادك عن زميلاتك في المدرسة، وقد تجدين نفسك أمام أنواع مختلفة من الزميلات عليك الاختيار بينهن، فأنت تواجهين الفتاة النصرانية وتواجهين الفتاة المسلمة هوِية فقط، وهذه التي تتبنى الأفكار المغايرة للإسلام كالمفهوم الخاطئ لحرية المرأة ومساواتها بالرجل، كما تواجهين الفتاة المسلمة غير الملتزمة التي لا تقوم بواجباتها الدينية من صلاة وصيام، إلا أنها تؤمن بالله وتعترف بأنها عاصية، وتواجهين الفتاة المسلمة الملتزمة التي قد تختلفين عنها في المنهج والطريق، فمن تختارين يا ترى؟ أذكِرك هنا بالمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقك أثناء اختيار الصديقات، لانعكاس هذا الأمر على حياتك في الجامعة وخارجها، وهذا ما أكده الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله:"الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، وقوله:"لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي". لذلك فإذا اخترت أيتها المؤمنة الانضمام إلى مجموعة من الفتيات الصالحات، فتأكدي أن هذا الأمر يشعرك بالأمان والانتماء، وكوني على ثقة أيضاً بأن الصديقة الحكيمة الرأي المخلصة في المعاملة تترك أثراً أكبر بكثير مما تتركه الكتب والمقررات. ما سبق كان ملخصاً عن بعض مسؤولياتك تجاه نفسك داخل الجامعة، فإذا أصلحت نفسك، كان ذلك تمهيداً لإصلاح المجتمع الذي جعل الله سبحانه وتعالى مسؤولية إصلاحه من مهمة أبنائه كلٌ في موقعه وكلٌ في مجال اختصاصه.
ثانياً: مسؤوليات الطالبة المسلمة وواجباتها تجاه مجتمعها
1- نقض المغالطات الفكرية: يحدث لكثيرات منكن أنهن يتلقين علومهن في جامعات علمانيةﹴ تعمد إلى بثّ الأفكار المغايرة للإسلام، في مناهجها، وقد يصل بها الأمر على قلب الحقائق التاريخية الإسلامية بغية تشويه التاريخ الإسلامي أو القضاء على اللغة العربية وإبعاد الناس عن لغة القرآن. والضرر من ذلك كبيرٌ إذ أن تحقيق هذه الغاية يحصل في الغالب عن طريق تشويه التاريخ أو عن طريق إدخال تعليم اللغة العامية في المناهج باعتبار أنها وسيلة من وسائل التعبير، بينما الحقيقة أن الهدف هو خدمة مآرب الصهيونية العالمية التي تعلم علم اليقين بأنه لا مجال للسيطرة على الشعوب الإسلامية إلا بإبعادها عن لغتها وعن قرآنها. ومن هنا أيتها الطالبة المسلمة أن تنتبهي إلى هذه الأمور وأن تعلمي أن "الدين" هو أصلٌ أساسيٌ في ثقافتنا ولا يمكن فصله عن التاريخ كما لا يمكن فصله عن اللغة، وأنه ليس كل ما يدرَس في الجامعات هو من المسلَمات التي لا يمكن رفضها، فليس كل ما يلمع ذهباً، بل عليك أختي المسلمة أن تقبلي ما يتوافق مع الدين، وأن تبحثي عن الحقائق التي تجهلينها حتى ولو اضطرَك الأمر إلى الالتجاء إلى مراجع وكتبﹴ من خارج المقررات. وعليك أن تعلمي أن العلوم التي تعطى في الجامعات ليست نتاجاً غربياً فقط بل إن للعرب المسلمين دوراً بارزاً في هذه العلوم، فابن الهيثم هو مؤسس علم البصريات، وابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع، ومسرحية "الكوميديا الإلهية" إنما هي مقتبسةٌ من كتاب "رسالة الغفران" للمعري. فمن واجبك التأكُد من المعلومات التي تقدَم لك في الجامعة، كما أنه من واجبك أن لا تلغي عقلك في عملية التلقي، بل تذكَري بأن العقل هو الذي يميِز الإنسان عن الحيوان.
2- الدعوة إلى الله: تعتبر فئة الشباب هي الفئة الأكثر قدرةً على التغيير، لما تتمتع به من اندفاعﹴ وحيويةﹴ، وهذا الأمر هو الذي يستغلُه أغلب منظمي الثورات، إذ يرتكزون في حركاتهم على طلاب الجامعات، فيستغلون حماسهم بحقﹴ أو بباطلﹴ من أجل إسقاط الحكومات مثلاً، وتبديل نظام الحكم. وقج تنبَه عملاء اليهود إلى هذا الواقع فاعترفوا في بروتوكولاتهم بأنَ أغلب المفكرين المعاصرين الذين يعمدون إلى تشويش الفكر الشبابي وتدميره هم من اليهود أو من تلاميذهم، ومن هنا تأتي أهمية الدعوة إلى الله في صفوف الشباب، هذه الدعوة التي هي مسؤوليةٌ تقع على عاتق الفتيات كما تقع على عاتق الشبان كلٌ مع بني جنسه وفي مجال اختصاصه.
ومن مميزات الدعوة في الجامعة أنها تكون في الغالب دعوةً فرديةً، إذ أن إدارة الجامعة تحرص على منع حدوث أي نوعﹴ من التجمعات التي تتَخذ طابعاً دينياً، بينما قد تسمح بالتجمعات التي تدعو إلى الأفكار العلمانية والإلحادية. لذلك فإن المهمة المنوطة بك أيتها الداعية الجامعية هي مهمةٌ صعب وأشق من أي مهمة أخرى، إلا أنه يجب أن لا تنسي الأجر والثواب الذي تحدّث عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله:"لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من الدنيا وما فيها". ولهذا الهدف، وحرصاً منك على إنجاح مهمَتك الدعوية، لا بد لك من أن تعلمي بأن الدعوة إلى الله تستوجب التجهيز لها، والاستعداد للقيام بها، ومن الاستعدادات المفيدة في هذا المجال نذكر:
أ- التمتع بالصفات الإسلامية فلا بدَ لك أيتها الداعية أن تتحلي بالأخلاق الإسلامية التي تجعل منك قدوةً حسنةً، لأن الأنظار في الغالب تتركز عليك أيتها الفتاة الملتزمة أكثر من غيرك، وأيُ خطأﹴ يصدر عنك يتعرَض للنقد، وقد يؤخذ على أساس أنه من المباحات الشرعية، من هنا اعتبر الدعاة أن الدعوة بالقدوة هي أهمُ وسيلةﹴ من وسائل التأثير على الآخرين لأن الكلام صيغةٌ سهلةٌ ممكن أن يجيدها كلُ الناس، بينما الالتزام أمرٌ صعبٌ لا يجيده إلا القليلون. وقد وصف الكاتب الإسلاميُ محمد الغزالي في كتابه "مشكلاتٌ في طريق الحياة الإسلامية" الأثر الذي يتركه على الآخرين الشخص الذي يقول ما لا يفعل بقوله:"إنَ المسلمين اليوم عبءٌ على الإسلام، وإن انتشار الكفر في العالم يقع نصف أوزاره على متديِنين بغضوا الله إلى خلقه لسوء كلامهم وسوء صنيعهم".ومن هنا فعليك أيتها الداعية المسلمة أن تعملي على إصلاح نفسك قبل إصلاح الآخرين، ويجب أن لا تنسي شعار الدعاة:"أصلح نفسك وادع الآخرين".
وعليك يتها الداعية المسلمة أن تتصفي أيضاً بالصفات الإسلامية الحميدة، وأن تحافظي على سمات الشخصية الإسلامية التي من أبرز معالمها: التناسق الفكريُ والانفعاليُ والسلوكيُ: فتكوني هادئة النفس، سمحةً، طيبةً، محبةً، مسالمةً، حسنة العلاقات مع من حولك حتى وإن اختلفت معهم في الرأي، ويكون شعارك قول الرسول عليه الصلاة والسلام:"اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".
ب- الالتزام بالآداب الإسلامية لا بد للداعية أيضاً أن تلتزم بالآداب الإسلامية في الدعوة إلى الله، ومن أبرز هذه الآداب:
1- الرفق واللين في الدعوة، وقد أشار القرآن الكريم إلى فوائد الرفق واللين في كسب الأنصار والمؤيدين وبالتالي انطلاق الدعوة والتفاف القلوب حولها، فقال عز وجل:﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾[آل عمران: 159]. وليس معنى اللين هو "المداهنة والرياء والنفاق، وإنما بذل النُصح وإسداء المعروف بأسلوب دمث مؤثر" (فتحي يكن، مشكلات الدعوة والداعية، ص 120).
2- التزام السِرية في النصح والإرشاد والابتعاد عن الجهر في هذا الأمر إلا لمن "لا يفهم، فلا بد من التصريح له" (ابن حزم، رسائل ابن حزم، ج 1، ص 364).
3- احترام الآخرين، ولو كانوا على غير رأيها، ومراعاة سنة التدرج في الوعظ، فيتم الانشغال بالمهم، بعد دراسة نفسية المخاطبة، ودراسة محيطها، والتعرف على أهم المبادئ التي تؤمن بها، والتعرف على رفيقاتها المحيطات بها. ومن النصائح الأخيرة للفتاة المسلمة الداعية أن تبتعد عن الجدل في الكلام الذي يسعى إليه بعض المستهزئين بالدين، فتترك الكلام حينئذ "فإنه يؤدي إلى الوحشة ولا تكون معه فائدة" (مجموعة رسائل الإمام الغزالي، ص 150).
وفي الختام نؤكد أن مهمة الفتاة المسلمة الجامعية لا تختلف عن مهمة أيّ مسلم ومسلمة في الحياة العامة، ألا وهي نصرة دين الله، والعمل على إعلاء كلمة "لا إله إلا الله" وبذل الجهد في سبيل ذلك، وإذا وجدت صعوبات في الطريق فلتذكر:"أن الأجر على قدر المشقة" ولتذكر قول رسول الله ﷺ:"حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات" (رواه مسلم).
العدد 40 – جمادى الأولى 1419 / أيلول 1998
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة